مركباً يسير في ترعة المحمودية حتى وصلا إلى مدينة كفر الزيات. وهنا نفذ زادهما ودريهماتهما، فعاد الرفيق إلى الإسكندرية، أما هو فأن عزمه حديد لا يفل؛ فقد حمل كتبه على ظهره، ومشى على قدميه من مدينة كفر الزيات حتى وصل إلى القاهرة وهو حدث.
والتحق بالأزهر ليتلقى علوم اللغة والدين. وفي سنة ١٨٩٤ التحق بمدرسة دار العلوم، وكان أصغر زملائه سناً، وأنبههم ذكراً، وأوسعهم معرفة. وكان من عادة المدرسة حينئذ أن تعقد في أول كل سنة دراسية اختباراً عاماً لطلبة المدرسة في كتب تعينها لهم، ثم في المعلومات العامة، فكان الإسكندري في كل عام فارس الحلبة الذي لا يدرك، فتخصه المدرسة بجوائزها
وكان أيام الطلب مبرزاً في مادة الإنشاء بديع الصنعة، مليح الصيغة. كتب أول أمره على الطريقة الشائعة إذ ذاك، وهي طريقة السجع، وله موضوعات كانت موضع إعجاب أساتذة الإنشاء في عصره، فأطروها ونشروها منسوبة إليه في كتب لهم؛ ولعل من هؤلاء الشيخ مفتاحاً - إن لم تكن الذاكرة قد خانتني - فإنه نشر له موضوعاً في وصف قنطرة قصر النيل (الخديوي إسماعيل الآن) في كتاب له
تخرج في دار العلوم سنة ١٨٩٨، واشتغل بالتدريس في المدارس الأميرية، ثم كان ناظراً لمدرسة المعلمين في الفيوم والمنصورة؛ وفي هذه الأثناء ظل على نشاطه الفكري، فأخذ من محاسن الآداب بأوفر حظ.
في دار العلوم
في سنة ١٩٠٧ انتقل إلى دار العلوم لتدريس مادتي الإنشاء والأدب العربي وظل يزاول ذلك العمل بتلك المدرسة زهاء سبعة وعشرين عاماً، ألف في أثنائها كتاباً عن الأدب العربي في العصر العباسي، أجمع الأدباء على أنه كان المعين الذي استقى منه جميع من بحثوا في تاريخ الأدب من بعده. وضع لطلبته مذكرات في العصور الأخرى، كانت وما تزال عدة الطلبة، يجدون فيها طلبتهم فيستعينون بها على تهيئة أنفسهم لأن يكونوا أدباء باحثين لما تحتويه من الحقائق العلمية والفنية الخالية من الزخرفة والتهويل، ولأنها ترسم لهم طريق البحث في أحدث صورة. وكان منهج تاريخ الأدب في دار العلوم يحتوي فوق النظريات العامة تراجم كثيرة لعدد كثير من الكتاب والشعراء والخطباء والعلماء وغيرهم؛