للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كلاماً في مجلة، كان ناقداً أو كاتباً. . . أما أن يتكلم أمرؤ في الدين بلا علم ولا هدى، وبغير بينة ولا دليل فلا. . . ثم لا!

تركته يوقد نار حماسته في كذبه، حتى إذا ظنها استحالت جمرة متقدة ألقيت عليها دلو ماء فقلت له:

- هل تسمح يا سيدي بسؤال: كيف عرفت أن سورة (الناس) ليس فيها من البلاغة شيء، مع أن علماء هذا الفن ومن هم المرجع فيه والحجة قالوا غير ما تقول؟

قال: لأن للبحتري شعراً لا شك (عندي) أنه أبلغ منها

قلت: أئن كان للبحتري شعر أبلغ من شعر المعري مثلا كان شعر المعري خالياً من البلاغة؟ ثم من قال لك إن شعر البحتري أبلغ من سورة الناس؟

قال: لأن البلاغة فيهِ أظهر!

قلت: ما هي البلاغة (عندك)؟

قال: هي أن يكون الكلام بليغاً. . .

فكان الضحك عاماً مجلجلاً!

ولقيت هذا المجدد كرة أخرى فلم يقل شيئاً، لأنه قال كل ما يحفظ في المرة الأولى، ثم لم ألقه بعد أبداً!

٢ - أوربي

فلان. . . من أسرة دمشقية أصيلة، ولكنه أقام في أوربة سنين عايش فيها القوم، فظن أنه حين أساغ في حلقه طعامهم، وأدار في فمه لسانهم، قد صب في عروقه دماً من دمائهم، ووضع في رأسه دماغاً من أدمغتهم، فاستقر في رأسه أنه أوربي ولكن النطفة أخطأت طريقها فكانت شرقية فلما عاد من أوربة ودخل علينا - وكنا يومئذ تلاميذ وكان هو أستاذنا - استقبلناه استقبال التلاميذ المخلصين أستاذهم الذي غاب عنهم سنين بعد ما اتصل حبله بحبالهم وأحبوه وأحبهم ورحبنا به فنظر إلينا نظر المنكر، وقلب شفتيه اشمئزازاً ولوح بيديه على طريقة أهل باريس، وقال لنا بالفرنسية (ما ترجمته بالحرف):

- ما هذا؟ أهكذا يكون الاستقبال؟ إنكم يا أهل الشرق لا تتمدنون أبداً. ولقد رأيت اليوم ما كنت أسمعه. . . فيا ليتني لم أسافر إلى الشرق!

<<  <  ج:
ص:  >  >>