الخلفي وبقى معظم العقد والجداران الجانبيان في علو وجلال يرتاع لهما كل زائر، وقد زرت بقية الأحداث من هذا الإيوان يوم الاثنين ٢٢ رمضان سنة ١٣٤٩ في بعثة كلية الآداب من الجامعة المصرية فشهدت جلاد الزمان والإنسان، وتخيلت الطاق نسرا قشعما أنحت عليه الخطوب فحصت ريشه وذهبت بجناح، وهاضت الآخر ولكنه بقى متجلدا مستكبرا يقلب عينيه في لوح الجو محاولا أن يسمو إلى ملكه الواسع في عنان السماء. وصدقت قول البحتري:
فهو يبدي تجلدا وعليه ... كلكل من كلاكل الدهر مرسى
وأما القصر الأبيض أو أبيض المدائن فقد هدم في عهد المكتفي بالله العباسي سنة ٢٩٠ وبنى بأنقاضه قصر التاج، ولكن كثيرا من المؤخرين يخلط بين الإيوان والقصر الأبيض كما يتبين من معجم البلدان وغيره
رويت في إيوان كسرى أشعار ذكر بعضها ياقوت في معجم البلدان. ومنها بيتان خطهما على الإيوان الملك العزيز جلال الدولة البويهي:
يا أيها المغرور بالدنيا اعتبر ... بديار كسرى فهي معتبر الورى
غنيت زمانا بالملوك وأصبحت ... من بعد حادثة الزمان كما ترى
وأعظم ما نظم في الإيوان قصيدتان: قصيدة البحتري وقصيدة فارسية نظمها الخاقاني الشاعر الفارسي المتوفى سنة ٥٩٥ والبحتري يذكر في قصيدته ثلاثة أسماء: أبيض المدائن، والإيوان. والجرمان. والظاهر ان ابيض المدائن في شعره غير الايوان، وإن خلط المؤرخين بينهما، وكأن هذا الخلط كان بعد عصر البحتري وبعد أن هدم الخليفة المكتفي القصر الأبيض سنة ٢٩٠. فالبحتري يصف في قصيدته أبنية عدة لا بناء واحدا.
وقراء العربية يعرفون سينية البحتري، فلا حاجة إلى إثبات بعضها هنا. وحسبي أن أترجم قصيدة الخاقاني. ويرى القارئ أن الشاعر اقتصر منها على الرثاء والبكاء ولم يصف وصف البحتري وقد حذفت منها بضع أبيات بنيت على جناسات، ورموز مألوفة في الفارسية ولا يمكن نقلها إلى العربية نقلا معجبا:
هيا أيها القلب المعتبر أنعم النظر، فما إيوان المدائن إلا مرآة العبر. عرج عن طريق دجلة إلى المدائن للذكرى، وأسل على تراب المدائن دجلة أخرى. إن دجلة لتبكي حتى تحسبها