ولكن من الحق كذلك ألا يبيح هؤلاء لأنفسهم مهمة الحكم، وأن يسمعوا قول من يطيقون السماع ويطربون لشتى النغمات، ويصدقوا ذوي العيون التي تحتمل المناظير القوية، فيما تبصر من رؤى وأطياف لا تراها عيونهم الكليلة!
وحين يتابع الناقد غزل العقاد في دواوينه السبعة، يعجب كيف يكون قائل هذه الأنماط كلها رجلاً واحداً لولا أن يثوب إلى خصائص العقاد العامة في هذه الأنماط على اختلافها. وتروعه هذه النفس الفسيحة التي تتلقى نماذج الحبيبات كل بما تستحقه، ثم تنفسح بعد هذا لتلقى الحالات النفسية المتتابعة مع كل حبيبة؛ وتتسع لنماذج الحب المختلفة بين الصوفية والحسية، وبين الغرارة والتجريب، وبين البساطة والتركيب، وبين الصعود والهبوط. . . وتقول في كل حب، وفي كل حالة شعراً أصيلاً كأنه - وحده - هو اتجاهها الوحيد!
ولعل من الخير قبل أن نستعرض هذه الأنماط، كما لحظناها في شعره الغزلي، أن نأتي باستعراض العقاد نفسه لصنوف الحب التي تيقظ لإحساسه بها على ضوء حب أخير حين يقول:
عرفت من الحب أشكاله ... وصاحبت بعد الجمال الجمال
فحب المصور تمثاله ... عرفت وحب الشباب الخيال
وحب القداسة لم أعده ... وحب التصوف لم يعدني
وفي كل حب ورى زنده ... سماتٌ من المؤمن الدين
وحب المزخرف والمنتقى ... وحب المجرد والعاطل
وحب الجماح وحب التقى ... وحب المجدد والناقل
وحب الثقات وحب الصحاب ... وحب الطبيعة في حسنها
وحب الرجاء وحب العذاب ... على يأس نفسي من حزنها
وحب التي علمتني الهوى ... وحب التي أنا علمتها
ومن أستمد لديها القوى ... ومن بالقوى أنا أمددتها
وحب الجياع صحاف الطعام ... وحب الظماء كؤوس الشراب
وحب الكفاح وحب السلام ... وحب الضلال وحب الصواب!
صنوف من الحب لا تلتقي ... وفيك التقى لبها المحتوى