عنها وضر الخجل والمسبة، وتعرضها في معرض الزينة والمباهاة
(تلك لها عدة المتانة والمجاملة، وهذه لها عدة الرخاصة والبساطة)
ثم يمضي يعدد خصائص كل منهما على هذا المنوال البارع فتفهم أنه متيقظ أشد اليقظة، بكل وسائل التنبه والإدراك في طبيعته، لكل ذرة، في كل حبيبة.
والآن نتابع العقاد في غزله، ونتصفح الوجوه التي هام بها، وقال فيها، فنجد منها ستة وجوه بارزة، ونجد غيرها منزوياً متناثراً
فأما الأول فيستغرق الجزأين الأول والثاني تقريباً، وفيه تلمح العقاد شابا حدثا، في نفسه روعة وحذر وإشفاق من وهلة الجمال والحب، يكتفي أول الأمر باللمحة والنظرة، ويحوم على الجمال في ورع وتنطس، ويحسب للمجهول والغيب كل حساب، ثم يأخذ بعد حين في الاستمتاع على حذر كذلك وتلطف واستئذان.
وتجد إلى جواره حبيباً ساذجاً، عاطلاً من كل حلية نفسية أو فكرية إلا الجمال المجرد الغرير، فلا عمق ولا سيطرة ولا أطوار
وهكذا - في الغالب - حب الشباب، وإن فهم الكثيرون أنه أقرب إلى الفتك والبوهيمية والجراءة. فالشاب غالباً تمنعه القداسة، فأن لم تكن أذهلته الروعة قيده حذر المجهول الذي لم تكشفه التجارب، والعزيز الذي لم يرخصه الاستعمال
إنما يستهتر - حق الاستهتار - الكهل الذي تجعله التجارب يسخر من المقدسات والغيبيات، وتدفعه بقية القوة التي لم تنضب إلى الاستمتاع بالباقي قبل الفوات!
واسمع العقاد في ورع وإشفاق ينادي حبيبه:
وقف عليك تحيتي وعظاتي ... وعلى صباك نصائحي وعظاتي
أُوتيت من حسن الشمائل نعمة ... والحسن في الدنيا من الآفات
هو جوهر يجني عليك وميضه ... عدوان سراق وحقد عفاة
فأحذر فان مع الجمال لغرة ... وأراك تأمن جانب الغفلات
واحرس جمالك فالجمال وديعة ... (لله) ترعاها إلى ميقات
واحمل شبابك للمشيب مبرءاً ... مما يكدر ناصع الصفحات
وهكذا إلى نهاية هذه التسبيحة أو التعويذة القانتة!