وأشهد أيضاً؛ لقد وفق الأستاذ سعيد في ترجمة حياة الرافعي ترجمة يغلب عليها الأسلوب التحليلي الفني أكثر من الأسلوب العلمي الجاف، على ما في الثاني من قوة وسمو. فأنت ترى كيف يعرض علينا حياة الرافعي والمناسبات التي ألجأته إلى كتابة فصوله الممتعة القوية فتحس أنك أبعد شيء عن جفاء التاريخ وجفوته، وأدنى شيء إلى جمال الفن وعذوبته. . .
لن تكن حياة الرافعي وفصوله الممتعة منذ اليوم، كما كانت من قبل، غامضة مضطربة يتحدث عنها الأدباء بالتقريب لا بالتحقيق، ويقولون فيها بالظن لا باليقين
بلى.! ولسوف يجدون الرافعي عاش مخلصاً للفن يدع أهله وذويه وما هم فيه من هم وبلوى - على فقد زوجة أبنه - ليسجل على القرطاس خلجات فؤاده وشكايات ضلوعه وليخرج لقراء العربية قطعته الخالدة:(عروس تزف إلى قبرها). . .
ثم ماذا؟. . .
ثم نود أن نسأل أخانا العريان عن سر هذا التناقض الذي وقع في السبب الذي من أجله كتب الرافعي مقالاته: الانتحار. فالأستاذ العريان يحدثنا عن السبب بقوله:(فلما بلغ الرافعي نبأ شروعه (شروع الأستاذ م وهو أبن لشيخ كبير من شيوخ الأزهر) بالانتحار جزع وتطير وضاقت نفسه وناله من الهم ما لم ينله لحادثة مما لقي في دنياه فمن أجل هذه الحادثة أنشأ مقالات الانتحار). . .
ولكن الرافعي يزعم غير هذا الزعم فيقول (عندما انتهيت إلى هذا الموضع من تصنيف هذه الكلمات ألقى إلى كتاب ورد من مدينة (حمص) يذكر فيه صاحبه ضيقاً وشدة ويسأل: (ما هو علاج الملل النفساني واليأس الدنيوي إن لم يكن الموت أن لم يكن الانتحار؟) ثم يرجو أن يتولاه أول عدد ينتهي إليه من (الرسالة) كيلا يبغي على نفسه: وهاأنذا أعجل له كلمات تأتي على أثرها إن شاء الله في العدد التالي مقالة الانتحار) فما هذا التناقض بين الروايتين؟. . . أرجو أن يجلوه لنا الأستاذ سعيد وله الشكر. . .