للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يظهر من هذه التفصيلات أن الخطة التي يمشي عليها المؤلفون في التعريفات تستمد اتجاهها من النزعة التي ذكرناها آنفاً، خلال تعليلنا للخطة المتبعة في أمر التبويب، وهي نزعة الاهتمام بالإعراب أكثر من الالتفات إلى المعنى والمفهوم

غير أني أعتقد أن لهذه الخطة - ولهذه النزعة - بعض العوامل التاريخية التي تعود إلى أدوار نشأة (قواعد الصرف والنحو)، فان من العلوم أن هذه القواعد دونت - في الدرجة الأولى - تحت تأثير حاجة الأعجام الذين لم ينشئوا على العربية، وذلك كما حدث في أمر تدوين القواعد في سائر اللغات بوجه عام؛ وكان القصد الأصلي من تعليم العربية لهؤلاء الأعجام تمكينهم من قراءة القرآن وتسهيل فهمهم لمعانيه. ومما لا يحتاج إلى إيضاح أن الأعجمي الذي يقرأ القرآن يرى أمام عينيه سلسلة كلمات مشكولة، بعضها مرفوع، وبعضها منصوب، وبعضها مجرور، وبعضها ساكن، فيرى ويقرأ هذه الكلمات قبل أن يفهم شيئاً من معانيها، فإذا اتخذ رفع الكلمة أو نصبها نقطة بدء لدرسه وبحثه فلا يكون قد سلك مسلكاً مخالفاً للعقل والمنطق، من الوجه العملية: فإذا قال: (هذا اسم مرفوع، وقع في أول الجملة فهو المبتدأ إذن. . .) وهذا اسم مرفوع أتى بعد الفعل، فهو الفاعل إذن، يكون قد سار على خطة لا تجانب الصواب - من الوجهة العملية - بالنسبة إلى حالته الخاصة

غير أن الاستمرار على اتباع خطة مماثلة لهذه في هذا العصر ولا سيما في تعليم أبناء الضاد الذين يتكلمون العربية ويقرءون الكتب والجرائد والمجلات المطبوعة - لا يمكن أن يتفق مع مقتضيات المنطق بوجه من الوجوه، ويخالف أصول التربية والتعليم من كل الوجوه

إنني لا أجد سبيلاً لتعليلها إلا بإرجاعها إلى تأثير الأحوال الخاصة التي أشرت إليها، وباعتبارها من تراث العصور القديمة التي نوهت بها. والمآخذ التي سأذكرها في بحث (العلامات) تؤيد هذا التعليل بوضوح أقوى

(يتبع)

ساطع الحصري

<<  <  ج:
ص:  >  >>