رائيها دوحة من الرخام. وليس باطن الكنيسة أقل فخامة ورونقاً من ظاهرها، وهي فيما سمعت من آثار القرن الخامس عشر. برحنا ميلانو صباح الثلاثاء نؤم سويسرة، فلما أجزنا حدودها أحسسنا تغير الأرض شيئاً فشيئاً حتى تغلغلنا في مناظرها الساحرة الرائعة: أودية وبحيرات تطل عليها جبال شاهقة ترقي العين فيها معجبة بالخضرة الناضرة على سفوحها، ثم ترقى فترى الجبل قد انتطق بالسحاب وأوفت قمته عليه، أو ترى القمة قد تغلغلت في السحب فاختفت فيها، وترى زرقة السماء بين السحب وذرى الجبال كزرقة البحيرات في الحضيض فتُسِف العين متمهلة على السفح كأنها تشفق أن تزل إلى الأودية العميقة والبحيرات، حتى تبلغ الماء وكأنما عادت به إلى صفاء السماء وزرقتها. وترين الماء مندفقاً على السفح فإذا حاولتِ أن تعرفي أوله رأيته هابطاً من السحاب كأن السحاب يسيل أنهاراً لا أمطاراً.
وقصارى القول في هذا الجمال الهائل أنه صلة السماء بالأرض، وأنه حيرة الطرف، ومتعة النفس، وروعة القلب، ومسرح الفكر، وتجلى الخالق في جمال خليقته وجلالها في مشاهد لا ينتهي أولها إلى آخر.
ما أعجب هذا مجالاً لشاعر مُلهَم أو كاتب مبين لو اتسع الوقت وأمهل السفر وانفرجت المشاغل عن ساعة يستملي فيها القلم الوجدان والخيال!
بلغنا لوسرن في ثلاث ساعات.
ولعلي أصل الحديث من بعد، وإن لم أجد فراغاً للتفصيل والتطويل لأجعله حديثاً ممتعاً شائقاً.