في القفر دنيا ورا الدنيا نفرُّ لها ... على مطايا الكرى من عيش تنكيد
إني كقطعة وحش صُوِّرَتْ بلداً ... أَرْضِي سواءٌ وإنساني وجُلمودي
وَعوُدُ آدمَ عُريانٌ بلا ثمر ... وزهرُ حواَء محطومٌ بلا عود
فلا بَنِيَّ لهم دنيا تَعُدُّهمو ... فيها، ولا أنا في الدنيا بمعدود
لو أنزل الله سقفاً من كواكبه ... لهم ليَبْنُوا لما هَمُّوا بتشييد
لو أمسكوا ظلَّ طير الجوِّ في قفص ... ما أمسكوا ظِلَّ عُمْرانٍ بمجهود
وفي عريض فجاجي الشمسُ طالعةٌ ... تزيد في ظلماتي الحيَّةِ السودِ
في الجدب، في الوحش، في الأحياء، في زمني ... وفي طبائع أرضي، في تقاليدي
فاليوم أعرض آمالي على ملكي ... وهو الكفيل بمرجُوِّي ومقصودي
لعلني خطَّ لي منه كتابُ هُدىً ... وما زيارته إلا كتمهيد. . .
لبَيْك يا مُعضِلات القفر قد بَعثتْ ... لك العنايةُ صنديدَ الصناديد
آباؤه الصيدُ هِمَّاتٌ مُجَمَّعَةٌ ... فيه، وزاد على آبائه الصيد
رَحْبُ الأمانيِّ وثاب على فُرصٍ ... ما أطمعتْ غيرَه في غير تزهيد
يرمي بحَبْلَيْهِِ: محلولٍ وَمُنعقِدٍ ... فيها على كل محلول ومعقود
سرُّ اللُّيوث بعينيه، فنظرته ... فيها اكتشافُ فريساتِ المواعيد
وتحت راحته سرُّ السيوف، فإِن ... أشار راعَ كسيفٍ عند تجريد
وفي أنامله سِرُّ الأعنَّة: لا ... ينفكّ يطلب ميداناً لتأييد
مليكُ معجزةٍ في أرض معجزةٍ ... مخلّدُ الحمدِ في تاريخ تخليد
وما يُسَدُّ طريقٌ دون غايته ... طريقُ كلِّ سعيدٍ غيرُ مسدود
ستستفيض على الصحراء همتُه ... ثجَّاجَةً بالمشاريع المحاميد
فَيُولَدُ الزمنُ المشبوبُ من زمن ... فانٍ تَكلَّحَ في تلك التجاعيد
هيهات هيهات ما يبني القفارَ سوى ... صبرٍ كصبر (فؤادٍ) غير محدود
هُمُ الأعاريب في تلهيب جمرتهم ... مثلُ البراكين لن تحيا بتبريد
يا لَلعزيمةِ لو أخرجْتَهم عربا ... تحت القوانين أحراراً بتقييد
إذن لضاعفَ مِصراً سحرُ ساحرِها ... وَابتزَّ ممدودَها من غير ممدود