ومقالات لو جُمِعتْ لكانت مادة كريمة لكتاب نفيس، فبأي وجه ألقى الله إذا ذكرت العراق بغير الجميل؟
كنت أعرف أن أيامي قصيرة في العراق فتجشمت ما تجشمت لأزور أشهر الحواضر العراقية، فكانت فرصة عرفت فيها كيف يلتاع من يفارق حواضر العراق؟
يا ليت ماء الفرات يخبرنا ... أين استقلت بأهلها السفنُ
ولا يعلم إلا الله كيف رحلت عن البصرة والحلة والنجف والموصل وكركوك وكربلاء
لا يعلم إلا الله كيف أخفيت يوم الفراق عن أصدقائي في بغداد
لا يعلم إلا الله كيف أخفيت نيتي عن تلاميذي فلم أخبرهم أن التسليم عليهم يوم الرحيل هو آخر العهد
لا يعلم إلا الله كيف انخلع قلبي وأنا أنظر إلى دار المعلمين العالية آخر نظرة، وألقي عليها آخر سلام
وإذا كانت شواغلي بمصر قضت بأن أعتذر عن المضيّ في خدمة تلاميذي بالعراق فسأتعزى عن فراقهم كلما تذكرت أني أوقدت في صدورهم جذوة لن تخمد أبداً، وسيصيرون بإذن الله من أشرف خدام العراق
والعهد بيني وبينهم أن نقضي العمر كله أوفياء للحق والواجب، وألا نرى المغانم في غير طهارة الضمائر وسلامة القلوب
هذا كتاب أوحته بغداد، وفيه ما في جوّ بغداد من طغيان الرفق والعنف، وصولة العقل والفتون