قرأت في العدد ٢٧١ من مجلة (الرسالة) الغراء ذلك المقال القيم الذي كتبه حضرة الأديب السيد أحمد صقر عن كتابنا (الفلسفة الشرقية) فسررت من قراءة هذا المقال سروراً عظيماً ولكن، لا لما قد يتبادر إلى ذهن القارئ للوهلة الأولى من أن مبعث هذا السرور هو ثناء مستفيض على الكتاب ومؤلفه وإنما مبعثه هو ما ظهر لي من خلال المقال من أن كاتبه لم يكتبه إلا بعد أن طالع الكتاب في دقة وتمعن
غير أن لنا بعد هذا ملاحظة وجيزة على ذلك المقال نحب أن نسجلها هنا وصفاً للحقيقة العلمية في نصابها
قال كاتب المقال: إني ذهبت إلى أني كنت أول من أثبت بالأدلة القاطعة سذاجة (أرسطو) وأذنابه في دعواهم أن الفلسفة نشأت للمرة الأولى في إيونيا في القرن السادس قبل المسيح، وأن أول فيلسوف في الدنيا هو تاليس المليتي ثم علق على هذا بقوله:(والحق أن هذا الإثبات قديم الميلاد وليس أدل على ذلك مما قال الدكتور عن (ديوجين لاإرس) في كتابه (حياة الفلاسفة) وأن الشرق قد سبق الغرب في النظر العقلي، وأنه كان أستاذه وملهمه. .
ويظهر أن حضرة الأديب خيل إليه أن بين العبارتين ومعارضة إذ تدل الأولى على أن مؤلف كتاب (الفلسفة الشرقية) هو الذي أثبت تأثر الفلسفة الإغريقية بالفلسفة الشرقية، بينما تنص الثانية على أن (ديوجين لاإرس) قد سبقه إلى هذا الثبات.
والحق في هذا الموضوع هو غير ذلك تماماً، إذ أن (ديوجين لاإرس) لم يزد في كتابه (حياة الفلاسفة) على أن حدثنا (حديثاً يثبت أن الشرق قد سبق الغرب إلى النظر العقلي وأنه كان أستاذه وملهمه كما هو النص حرفياً. أما نحن فقد أثبتنا هذه الدعوى بالطريقة العلمية الحديثة وهي استعراض نظريات الإغريق ومذاهبهم وإبانة مواضع تأثرها بالفلسفة الشرقية بالأدلة الناصعة التي لم تكن قد وجدت بعد في عصر (ديوجين لاإرس) وفوق ذلك فقد أتينا من نتائج البحث الحديث بطائفة من الأدلة العلمية التي تؤيد هذه الدعوى تأييداً قاطعاً، وذلك مثل اكتشافات الأستاذة المستمصرين (ماسبرو) و (لوريه) و (موريه) و (بريستيد) التي استغللتها في إثبات دعواي استغلالاً لم يتح مثله لديوجين لاإرس، ومثل نتيجة بحوث العلماء الطبعيين الذين أوضحوا الفرق الطبيعي بين الجماجم الشرقية