وأخذت الولايات تزيد في قوة ثغورها الشمالية، وفي الجملة لم يبق إلا إعلان الحرب. على أن بعض العقلاء استطاعوا أن يطيلوا الوقت المحدود للإنذار بضعة أيام عل أهل الولايات وخصومهم في إنجلترا يرون حل تحقن به الدماء.
وأخذ الوقت يتصرم ولكن أهل الولايات مصرون على موقفهم لا يثنيهم عنه شيء! ورئيسهم ووزراؤه يفكرون في هذا الخطر الداهم، وكان سيوارد يميل إلى خوض غمار الحرب ضد هؤلاء الإنجليز الذين تنطوي قلوبهم على الحقد والحنق منذ خلعت الولايات الأمريكية نير إنجلترا في عز ة وإباء.
وهكذا يجد لنكولن نفسه في شدة ما مثلها شدة. . . فهو بين أن يجاري الرأي العام وبذلك يجر على البلاد حرباً خارجية طاحنة تأتي مع الحرب الداخلية القائمة في وقت واحد، أو يطلق الرسولين ويقضي على أسباب الخلاف بينه وبين إنجلترا وبذلك يجنب بلاده خطراً محدقاً، وإن تعرض بعدها للوم اللأمين وسخط الساخطين واتهامات المبطلين. . .
ولكنه لنكولن الذي لا يعرف الخور والذي لا يطيش في الملمات صوابه. . . إنه الرجل الذي تزداد عزيمته مضاء بقدر ما تزداد الحادثات عنفاً وخطراً، والذي تزداد قناته صلابة كلما ازدادت الخطوب فداحة والأعباء ثقلاً واستفحالاً. . .
عقد أبرا هام مجلس وزرائه وأخذ يناقش الأعضاء ويناقشونه وهو من أول الأمر لا يؤمن بعدالة ما فعله ولكس؛ وبعد جهد استطاع أن يحمل المجلس على قبول رأيه ثم أعلن بعدها في شجاعة وحزم إطلاق الرسولين، وأجاب على إنذار الحكومة الإنجليزية برسالة متينة جاءت دليل قوياً على حكمته وبعد نظره، رسالة احتفظ فيها بكرامة بلاده وعزة قومه، وجنبها بها في الوقت نفسه خطراً ما كان أغناها عنه يومئذ.
وارتاحت إنجلترا لما فعل الرئيس وأثنى رجالها على حنكته وشجاعته! ولكنه لاقى في بلاده من السخط والاستياء ما لا يقوي على مواجهته غيره، وأوشكت مكانته في القلوب أن تزعزع، وراح يرتاب فيه المتحمسون ويصفون عمله بالجبن والخور. . . ولكنه فيما بينه وبين نفسه يعتقد أنه أسدى صنيعاً إلى قومه لا يدركه إلا العقلاء، الذين لا يجعلون في كل وقت للعواطف سلطانا على أعمالهم. . . . قال مرة يرد على الساخطين (لقد حاربنا بريطانيا العظمى مرة لأنها فعلت عين ما فعله الكابتن ولكس؛ فإذا ما رأينا إنجلترا تحتج