العسف والظلم حتى أدى ذلك بالفضل إلى اتهام هذا الوالي بالقعود عن نصرة المسلمين حين أغار الروم على مصر، فقال الفضل للخليفة المتوكل:
أنرضى بأن يعطى حريمك عنوة ... وأن يستباح المسلمون ويحربوا
حمار أتى تينيس والروم وثب ... بتينيس رأي العين منه وأقرب
مقيمون بالأشتوم يبغون مثلما ... أصابوه من دمياط والحرب ترتب
فما رام من دمياط شبرا ولا درى ... من العجز ما يأتي وما يتجنب
فلا تنسنا إنا بدار مضيعة ... بمصر وإن الدين قد كاد يذهب
لم يل مصر بعد عنبسة وال من العرب كما تقدم، فقد وليها بعده يزيد بن عبد الله (٢٤٤ - ٢٥٣هـ) من موالي المنتصر العباسي وكان كغيره من الأتراك من السنيين الغلاة. وكان شديداً صارماً وأتى في عهده بكثير من الإصلاح وقضى على كثير من معايب المجتمع، فمنع النداء على الجنائز وضرب من نادى عليها، وعطل الرهبان وتتبع العلويين فلحقتهم منه شدائد وأهوال
وورد إليه كتاب الخليفة المستعين بالاستسقاء لقحط كان في العراق، فاستسقى الناس في يوم واحد. وفي عهده خرج بالإسكندرية رجل يقال له جابر بن الوليد واجتمع إليه خلق كثير من العرب والقبط والنوبيين فاستولى على الكريون وسنهور وسخا وسمنود، فأنفذ الخليفة مزاحم بن خاقان مدداً لواليه على مصر. وظلت ثورة جابر ابن الوليد على حالها طوال عهد يزيد بن عبد الله الذي صرف في ربيع الأول سنة ٢٥٣هـ وولي بعده مزاحم بن خاقان فواقع جابر بن الوليد في أرض الجيزة والفيوم حيث أسر في جنْبَويه من كورة البدقون (المكتبة الجغرافية ج٦ ص٢٨٢، ٨٣ - المقريزي خطط١ ص٧٣) وبعث به إلى العراق في رجب ٢٥٤هـ
هذا وكان عامل مزاحم بن خاقان على الشرطة أُزجور التركي فقد منع النساء من دخول الحمامات ومن زيارة المقابر وسجن النوائح ومنع من الجهر بالبسملة وأمر بتمام الصفوف عند الصلاة وعهد إلى رجل من العجم فكان يستعمل السوط في تنفيذ هذا الأمر. ومنع من استعمال المساند والحصر للجلوس في المسجد ومن التثويب ومن أن يؤذن المؤذن يوم الجمعة في مؤخر المسجد. ثم صرف أزجور عن الشرطة في ذي القعدة سنة ٢٥٣هـ