الفقه بقوله جـ١ ص ١٣٦، ١٣٧:(وأبو حنيفة أول من دون علم هذه الشريعة، لم يسبقه أحد ممن قبله لأن الصحابة والتابعين لم يضعوا في علم الشريعة أبوابا مبوبة ولا كتبا مرتبة إنما كانوا يعتمدون على قوة فهمهم وجعلوا قلوبهم صناديق علمهم فنشأ أبو حنيفة بعدهم فرأى العلم منشرا فخاف عليه الخلف السوء أن يضيعوه ولهذا قال - صلعم -: أن الله تعالى لا يقبض العلم انزاعا ينتزعه من الناس وإنما ينتزعه بموت العلماء فيبقى رؤساء جهال فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون فلذلك دونه أبو حنيفة فجعله أبوابا مبوبة وكتبا مرتبة. فبدأ بالطهارة ثم بالصلاة ثم بسائر العبادات على الولاء ثم بالمعاملات ثم ختم بكتاب المواريث
وإنما ابتدأ بالطهارة ثم بالصلاة لأن المكلف بعد صحة الاعتقاد أول ما يخاطب بالصلوات لأنها أخص العبادات واعم وجوبا، وآخر المعاملات لأن الأصل عدمها وبراءة الذمة منها وختمه بالوصايا والمواريث لأنها آخر أحوال الإنسان فما احسن ما ابتدأ به وختم وما أحذقه وأفهم وأفقه وأمهر وأعلم وأبصر
ثم جاء الأئمة من بعده فاقتبسوا من علمه واقتدوا به وفرعوا كتبهم على كتبه، ولهذا روينا بإسناد حسن عن الشافعي - رح - أنه قال في حديث طويل: (العلماء عيال على أبي حنيفة في الفقه)
وروى عن ابن سريج - رح - أنه (سمع رجلا يتكلم في أبي حنيفة فقال له يا هذا مه، فان ثلاثة أرباع العلم مسلمة له بالإجماع والرابع لا نسلمه لهم،
قال: وكيف ذلك؟ قال: لان العلم سؤال وجواب، وهو أول من وضع الأسئلة فهذا نصف العلم، ثم أجاب عنها فقال بعض: أصاب، وبعض: أخطأ، فإذا جعلنا صوابه بخطئه صار له نصف النصف الثاني والربع الرابع ينازعهم فيه ولا يسلم لهم. . . ولأنه - رح - أول من وضع كتابا في الفرائض وأول من وضع كتابا في الشروط. والشروط لا يستطيع أن يضعها إلا من تناهى في العلم وعرف مذاهب العلماء ومقالاتهم لأن الشروط تتفرع على جميع كتب الفقه ويتحرز بها من كل المذاهب لئلا ينقضها حاكم بنقض أو فسخ. . . وقد قيل بلغت مسائل أبي حنيفة خمسمائة ألف مسألة وكتبه، وكتب أصحابه تدل على ذلك)
وجملة القول: أن مذهب أهل الرأي هو الذي رتب أبواب الفقه، وأكثر من جمع مسائله في