وقرأ الناس في اليوم التالي مقالاً ضافياً بإمضاء (أحمد زكي باشا) في تقريظ (تاريخ آداب العرب) شغل الصفة الأولي كلها من الجريدة. ولكن أحداً من القراء لم يعرف أن كاتب هذا المقال هو الرافعي نفسه، يثني على كتابه ويطري نفسه!
ولهذه الحادثة أخوات مع زكي باشا نفسه؛ فإنه لما أنشأ الرافعي نشيده (اسلمي يا مصر. . .) قرأ القراء مقالاً في الأخبار بإمضاء أحمد زكي باشا، يثني على النشيد ويطري مؤلفه، ولم يكن كاتب هذا المقال أحداً غير الرافعي؛ بل أن أكثر المقالات التي يرها القراء في الكتيب الصغير الذي نشره الرافعي عن نشيده هذا، هو من إنشائه أو من إملائه!
وقد ظل هذا (التعاون) وثيقاً بين المرحومين زكي باشا والرافعي إلى أخريات أيامهما؛ ومنه أن زكي باشا كان على نية إعداد معجم لغوي كبير قبيل وفاته، وكان للرافعي في إنشاء هذا المعجم أثر ذو بال، وفيه فصول كتبها الرافعي بتمامها وأعدها للإمضاء. . . ولكن المنية أعجلت المرحوم أحمد زكي باشا عن إصدار هذا المعجم، وأحسبه ما يزال محفوظاً بين مخلفاته المخطوطة
ويتصل بسبب إلى هذه المقالات التي كان ينحلها الرافعي صديقه زكي باشا، ما نحل أخاه المرحوم محمد كامل الرافعي من شرح ديوانه الذي أصدر منه جزءين ١٩٠٣ - ١٩٠٤؛ فإن شارحهما هو الرافعي نفسه، وفيهما عليه ثناء وإطراء
في الحادثتين السابقتين إشارة إلى بعض الأسباب التي كانت تحمل الرافعي على أن ينحل أصدقاءه بعض ما يكتبه؛ وهنالك أسباب أخرى:
في سنة ١٩١٧ وقعت في طنطا جريمة قتل مروعّة؛ وكانت القتيل امرأة عجوزاً مسموعة بالغني والشح الكزازة، تزوّجها قبيل مقتلها شاب من الشباب العابثين طمعاً في مالها، فلم يلبث معها إلا قليلاً ثم وقعت الجريمة!
وتوجهت التهمة أول ما توجهت إلى زوجها الشاب، ثم انصرفت عنه إلى أختها وزوج أختها فسيقا إلى قفص الاتهام، وكانا شيخين عجوزين فيهما بلاهة وغفلة، فلم يستطيعا الدفاع عن نفسيهما، وهّيَّئّا بغفلتهما وبلاهتهما الفرصة للمجرم الحقيقي أن يحوك حولهما الشبكة وأن يصوّب عليهما أدلة الاتهام لينجو هو من العقوبة. . .
كان المجرم الحقيقي معروفاً للجميع، ولكن المحكمة بما اجتمع لديها من براهين مصنوعة