للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأن العقاد صاحب طبيعة وصاحب فلسفة معينة في الحياة.

وقد اخترت أن أعرض (غزل العقاد) لأن الغزل عامة، وعند العقاد خاصة، معرض لجميع القوى النفسية التي تجيش بالشعر، وتحفز للتعبير، وفيه تستطيع أن تدرس نظرة الشاعر للكون والحياة وأغراضهما الأصيلة وآمالهما الخالدة، وتقف على رأيه في المثل العليا والأخلاق والفضائل، وتميز إحساسه بالمرأة والفنون والجمال، على نحو ما رأى القراء في الفصول السابقة.

ثم لقد كان هناك دافع آخر لاختيار الغزل فلقد كان حديثي عن الرافعي في غزله أو ما كتبه هو على أنه غزل، وكان أمامي لإثبات رأيي في كلا الرجلين طريقان: الأول أن أعرض ما قاله الرافعي في هذا الباب وأفنده، وهذا عمل أعتقد أن لا غناء فيه ولا جدوى منه لي ولا للقراء، فقد قرأت كل ما كتبه الرافعي في هذا الباب، فإذا هو خواء مقفر من كل عاطفة وإحساس، فإذا أنا عرضته، فإنما أعرض قطعة من صحاري النفوس ليس فيها ندى ولا حياة، ولن يصبر القراء معي - إذا أنا صبرت على قطع هذا القفار الموحش المتشابه الأرجاء. وبحسبي وحسبهم ما استعرضه من مثل هي نماذج لكل ما هناك

والثاني - وقد اخترته - أن أعرض غزل العقاد، فأكشف عن هذا العالم الحي المائج المضطرب بشتى الانفعالات والاتجاهات ثم يخلص بنا القول فيه إلى أن كل ما تجده هنا لا تجده عند الرافعي، لأن العقاد والرافعي مختلفان متناقضان

ولقد شاءت الظروف أن يكون العنوان: (بين العقاد والرافعي) فتوجد رابطة بين اسمي هذين الرجلين، لا وجود لها في أدبهما ولا اتجاههما ولا في شيء مما يصح فيه التشابه والارتباط

والواقع لقد كان في هذا الجمع بينهما ظلم لكيلهما: فأما العقاد فمظلوم - ولاشك - أن يقرن أسمه إلى أسم الرافعي، وبينهما هذه الهوة السحيقة الفاصلة، الهوة التي تفصل بين الصورة الفنية ترمز إلى معنى وتكاد تجيش بالحياة، وتهمس بالنطق والتعبير والنقوش التي نراها على أبواب المساجد ونوافذها: خطوطاً متعرجة أو مستقيمة ودوائر ومثلثات ومربعات كلها من عمل المسطرة والبركار، ولا شيء وراءها غير المهارة في اللعب والتزويق

فعشاق الصور الفنية محال أن يلتفتوا إلى هذا العبث على أبواب المساجد وأمثالها من شغل

<<  <  ج:
ص:  >  >>