ما لي في الدار بعد ساكنها ... ولو تذكرت أهلها أرب
لا الدار ردت جواب سائلها ... ولا بكت أهلها إذ اغتربوا
يا باكي التلعة القفار ولم ... تبك عليه التلاع والرحب
أبرح بمن كلف الديار وما ... تزعج فيه الشواحب النعب
هذا ثناء على الديارِ وقد ... تأخذ مني الديار والنسب
وأطلب الشأو من نوازع ال ... هو وألقي الصبا فتصطحب
وأشغل الفارغات من أعين ال ... بيض ويسلبن وأستلب
إذ لمتني جَثْلة أَكَفِّها ... تضحك مني الغواني العجب
وضِرت عَمَّ الفتاة تثئب ال ... كاعب من رؤيتي وأثئب
فاعتتب الشوق عن فؤادي والش ... عر إلى من إليه معنتب
إلى السراج المنير أحمد لا ... يعدلني رغبة ولا رهب
وقال في مطلع البائية الثالثة:
طربت وهل بك من مطرب ... ولم تتصاب ولم نلعب
صبابة شوق تهيج الحليم ... ولا عار فيها على الأشيب
وما أنت إلا رسوم الديار ... ولو كن كالخلل المذهب
ولا ظعن الحي إذ أدلجت ... بواكر كالأجل والربرب
ولست تصب إلى الظاعنين ... إذا ما خليلك لم يصبب
فدع ذكر من لست من شأنه ... ولا هو من شأنك المنصب
وهات الثناء لأهل الثناء ... بأصوب قولك فالأصوب
بني هاشم فهم الأكرمون ... بنو الباذخ الأفضل الأطيب
فالكميت في كل هذه المطالع ثائر على شعراء العربية الذين اتخذوا افتتاح القصائد بالنسيب عادة لهم، ولا يعبأ بما يتكلف لهم في ذلك الاتجاه الذي جمد علبه أولهم وآخرهم، بل يهزأ بسؤالهم الديار ووقوفهم على الأطلال وبكائهم التلاع القفار، لأنه لا فائدة في سؤال من لا يجيب، ولا معنى لبكاء الديار وهي لا تبكي أهلها إذا اغتربوا عنها.
والحق أنه لم يكن هناك معنى في قصائد المدح لافتتاحها بإظهار الهوى إلي غير الممدوح،