١ - أول شروط القراءة هو حسن اختيار الكتاب، فالعمر لا يتسع لقراءة كل ما كتب في لغة واحدة - ناهيك بأدب أمتين أو ثلاث - ولا كل ما كتب يستحق القراءة. والملاحظ أن الأدباء - وهم أحسن من يجيدون القراءة - لا يعيرون أهمية كبيرة لما يكتب في عصرهم، بل يوجهون كل اهتمامهم إلى الكتب التي أثبت الزمن قوتها وحيويتها وقدرتها على البقاء. والزمن وحده هو الذي يحكم للكتاب أو عليه؛ والزمن وحده هو الذي حفظ لنا هوميروس وأفلاطون وشكسبير وإضرابهم، لأن أدبهم يشتمل على عناصر الحياة الجوهرية التي لا حياة بدونها. وكم من أديب عاش ومات في غمرة النسيان! وكم من أديب تألق ثم خبا! وكم من أديب يعيش على فضول الكتاب والقراء. علينا أن نهمل كل هؤلاء وأمثالهم وأن ننتخب ما نقرأ من بين أحسن ما كتب. هذا إذا أردنا أن نحيا حياة ذات قيمة.
٢ - العامل الثاني هو إجادة القراءة. فهناك قراء يوجهون كل همهم إلى الإحاطة وينسون الإجادة والعنصران قلما يجتمعان إلا في القليل النادر. وقراءة كتاب واحد قراءة تفهم وإمعان أجدى من قراءة عشرة كتب قراءة سطحية. إن الكتاب - كما قلنا - هو زبدة حياة المؤلف، والقارئ النابه لا يتجه إلى مجرد القراءة العابرة، بل إلى تكوين صلات وعلاقات مع المؤلف. فلنجعل نصب أعيننا صداقة المؤلف يجب أن نفهم الكاتب كما نفهم صديقاً: نحيط بظروف حياته: آماله وآلامه، أحلامه وهمومه، فكهاً أو وقوراً، متفائلاً أو متشائماً، وهكذا. . . والخلاصة أنه يجب أن نفتح قلوبنا ليصب الكاتب فيها دمه ونترك ذلك الدم يجري حاراً في عروقنا
٣ - العامل الثالث هو نظام القراءة، فكثير من القراء يتبعون في مطالعاتهم سبيلاً ملتوية: كتاب من الشرق وآخر من الغرب؛ كتاب حديث وآخر قديم؛ وهكذا دون ضابط ولا نظام. وهذا المسلك قلما يثمر بل الواجب أن نختار كاتباً معيناً ونقرأ كل ما كتب، لأن كتب الكاتب ما هي إلا جوانب متعددة لشخصية واحدة، ولا حق لنا أن نتحدث عن كاتب أو نصدر عنه حكماً إلا إذا درسنا أدبه دراسة وافية كاملة. ويجب أن نتبع في هذه الدراسة نظاماً خاصاً، فيجب أن ندرس كتبه حسب ترتيب كتابتها، فلا نتناول إنتاجه في أوان شيخوخته، ثم في أوان شبابه الأول، ثم في أوان نضجه، بل يجب أن نبدأه بقراءة باكورة