درساً لا ينساه كاتب مبتدئ لم ينشأ في أسرة يتكنفها جو أدبي. فلم يكن بجواري حين كنت أكتب قصتي الأولى إنسان واحد يحبوني بنصح أو تحذير. كذلك لم يكن لي من ذوق طبيعي في الأدب، غير أنه كان بي جوع شديد إلى المعرفة، شجع في أشنع أغلاطي كمؤلفة!. .
كان رأسي بمثابة (الخلية) تضم (عسل) الرجال الآخرين وكانت العلة في ذلك هي تلك البرامج الجامعية التي تنتهي بمثلي إلى نيل درجة علمية في اللغة وآدابها. فلقد لبثت ثلاث سنوات أقرأ وأقرأ وأقرأ. . . من غير تمييز! ومن غير أن أجد جواً صالحاً لكي أنضح بما استوعبت في قراءاتي المتعاقبة. وخلفت الجامعة بذهن تعصف به الأصداء! من غير أن تتهذب ملكة النقد الطبيعية في ذهني. والحقيقة أن كاتباً موهوباً لم يكن ليستطيع أن ينتج بمثل ما قدر لي من سهولة الإنتاج! فان لي لمقدرة على التفكير المنظم والصبر؛ ولكنها مقدرة قصيرة النظر! تذكرني دائماً بحصان ركبته مرة واحدة في حياتي، إحدى عينيه تالفة، ويتوهم أنه يستطيع اجتياز أي حاجز!!
وبالرغم من نسياني كل شيء عن قصتي الأولى يخيل إلي أنه كانت تبدو فيها مهارة فنية خشنة غير صقيلة؛ كانت لي في تلك الأيام ولم يتناولها أحد من الناشرين أو الصحافيين بحسبان أنها كتاب (شاب) ناشئ، مما يجعلني أعتقد أنها كانت عملا ضئيلا جدا، لا يمكن أن يجد مثله اليوم سبيلاً إلى النشر. ولو أن ناشراً أخرجه للناس لما لقي شيئاً من عناية النقد ولا التفات الصحافة
على أن الكاتب المبتدئ الآن قد اصبح عليه أن يقتحم ميداناً شديد الزحام؛ يكون حسن الحظ لو لم يختنق فيه بعد بضع دقائق!. فإذا وفق إلى استرعاء الأنظار كان خليقاً أن يأمل في نقد ينتفع ببعضه. وهذا الزحام الشديد لا يمكن أن ينكره كاتب ناشئ قليل الأنصار. وإن خير آماله ليجب أن يعقد بعقد صداقات نافعة في الجو الأدبي بأسرع ما يستطيع. فمثل هذه الصداقات خليق أن ينقذه من إضاعة وقته سدى مشتغلا بكتابة قصة لا يبلغ من أمرها أكثر من أن يسمع لأجلها بضع كلمات تافهة تلقى بعدها وهي ترسب آخر الأمر. ومتى علم ذلك الكاتب الناشئ كان جديراً ألا يرفض المشورة بعقد مثل هذه الصداقات محتجاً أن فيها تجنياً على روحه الفني ووقته. وعليه أن يذكر دائماً أنه ينبغي له اختيار أضأل الضررين. . .!