والمذاهب وطرق التفكير فلن تكون لنا وحدة متماسكة ولن نستطيع أن نخلق من أبناء النيل أمة متحدة في الفهم والقصد ترمي إلى غرض واحد وتتعاون في طريق واحد! فإلى متى يا ترى يستمر تعليمنا عاملاً جوهرياً من عوامل التفرقة، وخلق الطبقات المختلفة المتباعدة في الفهم، المتنافرة في التفكير، مما يؤدي إلى النزاع الدائم المستمر الذي ينهى الله عنه بقوله (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) ولقد كانت هذه النقطة هي الأولى التي لفت إليها نظر معالي وزير المعارف في تقريري الذي رفعته إليه من مدرسة الفيوم الابتدائية في ١٦ مارس سنة ١٩٣٦ لأنها من الأهمية بحيث تحتل المكان الأول من الإصلاح المطلوب، فلا سبيل إلى محو تلك الفروق والتقليل من تلك النزعات المختلفة بين أفراد الشعب الواحد والتقريب بين إفهامهم إلا بجعل أساس التعليم واحداً، ألا ترى كيف تعمل الدول المختلفة على نشر ثقافتها بين الشرقيين، وكيف تجهد نفسها، وتنفق الطائل من أموالها في سبيل جعل لغتها وطرق تعليمها هي السائدة حتى تتمكن من التفاهم مع تلك الشعوب. وتفوز بكسب عطفها وتقديرها.
فالتعليم هو الطريق الفعال المؤدي إلى التفاهم والتعاون، لذلك أرى أن أساس الإصلاح هو في التوحيد بحيث لا يوجد بيننا غير نوع واحد من المدارس يبنى على أساس واحد يسمى بالمدارس الشعبية، تندمج في تكوينه كل أنواع المدارس السالفة الذكر، ويتعلم فيها أبناء النيل على السواء لا فرق في ذلك بين غني وفقير، أو عظيم وحقير، تتلوه بعد ذلك مراحل التعليم الأخرى المختلفة فيشعر أطفالنا في تلك المدارس الشعبية العامة بأنهم جميعاً أبناء شعب واحد تسري عليهم حالة واحدة كما هو الحال في سائر البلاد الأخرى، ولا تفضيل لأحدهم على الآخر إلا بالجد والعمل والأخلاق الكريمة الفاضلة، كما نشعر جميعاً ونحن في المساجد متراصين متوجهين إلى الله أن لا فرق بين صعلوك وأمير. وكبير، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى). هذه الوحدة الشاملة والألفة العامة، هي التي يجب أن تكون الغرض الأساسي من التعليم، والتي يجب أن تكون المدرسة أول عامل على خلقها. قال ديوي: (ومن مفسدات الديمقراطية أن يسمح بإنشاء طبقات مستقلة في الأمة، فإن التباين في الثروة، ووجود عدد وافر من جهلة أرباب الصناعة، واحتقار العمل اليدوي والعجز عن إدارة التربية التي تمكن