فيدر - كأنها قبل كل شيء تمحو بهذه الخطوات التي يملؤها العقل من الأرض كل تعب وكل حمق. وهاهي ذي تتخذ لنفسها منزلاً يرتفع قليلاً فوق الأشياء كلها، وكأنها تهيئ لنفسها عشاً في ذراعيها الناصعتين. . ولكن ألا يظن الآن أنها تنسج لنفسها بقدميها بساطاً من الاحساسات لا يكاد يحد. هي تلائم وتخالف وتنسج الأرض بالزمن. ياله من أثر بديع هذا العمل القيم تأتيه بإبهاميها العاقلتين اللتين تهجمان وتختلسان، وتعقدان وتحلان، وتتطاردان، ثم تطيران. . . ما أرعهما! ما أنشطهما هاتين الماهرتين في إنشاء اللذة التي ينفق فيها الوقت الضائع!. . . إن هاتين القدمين لتتناغيان وتختصمان كأنهما حمامتان. إن نقطة من الأرض لتثير بينهما من الخصومة ما تثيره الحبة بين الحمامتين. ترتفعان معاً ثم تصطدمان في الهواء أيضاً. إني لأقسم بآلهة الفن ما اشتهت شفتاي قط قدمين أكثر مما تشتهيان هاتين القدمين.
سقراط - وكذلك تحسد شفتاك هاتين القدمين البارعتين على فصاحتهما البالغة، وتود لو أعارتا كلماتك جناحيهما ولو زينتا ما تقول بوثباتهما.
فيدر - أنا؟. . .
أركسيماك - لم يكن يفكر إلا في أن ينقر حمام الأقدام. وهذه نتيجة لعنايته الحادة التي يختص بها منظر الرقص. أي غرابة في هذا يا سقراط؟ أي شيء أدنى إلى السر الساذج الجميل، إن صديقنا فيدر مسحور بهذه الحركات الحفية الظاهرة المضيئة التي تزدهي بها إبهاماً (اتكتيه) هو يلتهمهما بعينيه، هو يمد إليهما وجهه، هو يظن أنه يحس على شفتيه جرى أظفارهما السريعة. لا تعتذر أي فيدر العزيز، لا يأخذك اضطراب ما. فأنت لم تشعر بشيء إلا وهو مباح غامض أي ملائم كل الملازمة لطبيعة الناس، ألسنا عبثاً منظماً؟ وتأليفنا الحي أليس اختلاطاً نعمل في نظام، واضطراباً يحدث آثاره؟ أليست الحوادث، والرغبات، والخواطر تتغير في نفوسنا على أشد الأنحاء ملاءمة للضرورة ومباعدة للفهم. . . أي اختلاط من العلل والآثار.
فيدر - ولكنك وضحت بنفسك أحسن التوضيح ما شعرت به أنا شعوراً ساذجاً. سقراط أيها العزيز فيدر في الحق أنك لم تتأثر بغير سبب. وكلما نظرت أنا إلى هذه الراقصة التي لا توصف تحدثت إلى نفسي عن الأعاجيب وأسالها كيف استطاعت الطبيعة أن تودع هذه