والقمر والحشيش، ومئات من الأسر الكريمة تكابد عبث الأقدار أو خطأ الأغيار فلا تجد مواسيا في معروف الأحياء ولا في موقوف الموتى! وخمسة عشر ألف فدان يقتنيها ذلك الغنى الشره ينفق ريعها الفياض على وساوس غيه وهواجس أحلامه، ومن حوله ألوف وألوف لا يدرون من طول الحرمان لماذا شق الله لهم الأفواه وجوّف فيهم الأبطن!
هذا البليد الملحف، وذلك الجمَّاع الطماع هما اللذان أكلا نصيب العاجز من رزق الله! فلو أن السائل المحترف ترك نفحات الأيدي للفقير، والغني المنهوم عف عن فضول الرزق للعاجز، لما رأيت عليها رجلاً يشرق بالدموع بجانب آخر يشرق بالشمبانيا! ولكن النفس البشرية تؤثر الجانب الأيسر من العيش، وتطلب النصيب الأوفر من المتاع، فلابد من سلطان يقيم المعدلة بين الساعي بقوته والقاعد لضعفه. ومن ثَمَّ جعل الإسلام تنظيم العلاقة بين الغني والفقير ركناً من أركانه الخمسة، يصلح به وبالحج أمر الجماعة، كما يصلح بالصلاة والصيام أمر الفرد وكان هذا الركن الإسلامي الركين عسيّاً بعناية أولي الأمر يجعلون له (مصلحة) أو (وزارة)، تأخذ من أموال الناس صدقة تزكي النفوس من حقد الفاقد على الواجد، وتطهر المجتمع من بغي طبقة على طبقة. ولكن الأمم الإسلامية الحديثة توزعتها الجهالة والمذلة، فحسبت أن دستور القرآن لا يأتلف مع المدنية الغالبة؛ فتركت شريعة الله إلى شريعة نابليون، وهجرت سياسة الرسول إلى سياسة كارل مَرْكس، فلم يكن بد من قسوة الأكباد لجفاف القانون، وثورة الأطماع من شدة التنافس. وليست الرهبانية من نظم الإسلام حتى تقوم الراهبات. بما لم تقم به الحكومات من جمع الزكوات وتوزيعها على صرعى الفاقة وأسرى المرض، فكان ما لا حيلة في اتقائه من فوضى الإحسان، فحبس عن غير أهله، وحل في غير محله، وذهب كله للمتشردين في الطرق، والمحتالين في البيوت، والمتبطلين في المساجد
إن فريضة الزكاة في الإسلام هي الفرق بين الدين والقانون، وبين الشرق والغرب، وبين الإنسان الذي يعيش بالروح والإنسان الذي يعيش بالآلة. فمن المحتوم على دولة تطمح الى الخلافة أن تُلزِم بها الناس لتكون حكومتها للشعب كله. وإلا فما جَداي أن أقول إن لي دولة دستورها المساواة وقانونها العدل، ووطناً ثراه الذهب وماؤه الكوثر، وأنا محروم لا أنتفع بخير الحياة، ومهضوم لا أتمتع بحقوق الحي؟