وقد تساءلت فيما إذا كان هناك أجسام أخرى لها هذه الخاصية من الإشعاع، فتركت مؤقتاً دراسة الأيرانيوم إلى دراسة كل الأجسام الكيميائية المعروفة، فوجدت أن لمركبات مادة أخرى اسمها (التوريوم) إشعاعاً له نفس القوة
وهكذا وجدت أن ظاهرة الإشعاع لم تكن خاصة بمادة دون الأخرى، لذلك سمتها النشاط الإشعاعي وسمت الأجسام التي لها هذه الخواص عناصر مشعة
ولقد كانت مدام كيري متعطشة للمعرفة لأقصى حد، وهي صفة من صفات العلماء، فبدل أن تحصر دراستها في المركبات البسيطة بدأت تفحص جميع العينات التي كان يختارها معها بيير كيري والموجودة بطريق الصدفة في مدرسة الطبيعة فتضعها الواحدة بعد الأخرى أمام الألكتروسكوب. وقد حصرت مجهودها في جميع العينات التي تحوي فقط الأيرانيوم أو التوريوم، وهنا كانت المفاجأة الكبرى والنتيجة غير المتوقعة فقد وجدت أن الإشعاع هذه المرة أقوى بكثير جداً من الإشعاع الذي تسببه نفس الكمية الموجودة من الأيرانيوم أو التوريوم في هذه العينات
وقد اعتقدت مدام كيري أن هذه المفاجأة قد تكون وليدة خطأ في سير التجارب نفسها، ومن عادة الباحثين أن يجعلوا الشك في العمل أولى دائماً من الاعتقاد بالوصول إلى شيء جديد، ولكن كيري أعادت هذه التجارب عشرات المرات دون أن يتغير الموقف، ولم يكن للعالمة سوى مخرج واحد وتفسير واحد هو ضرورة احتواء هذه المعادن على مادة أكثر إشعاعاً من الأيرانيوم والتوريوم. ولكن ما هي هذه المادة يا ترى، ونحن نعلم أن مدام كيري كانت قد قامت بتحليل كل العناصر الكيميائية؟
لقد أجابت مدام كيري على هذا السؤال بشيء من الثقة بالنفس، إجابة هي طابع كبار العلماء، فوضعت فرضاً جديداً ورأياً جريئاً، هو أن هذه المادة عنصر جديد غير العناصر التي نعرفها ورجحت وجود عنصرين لا عنصر واحد
هكذا اكتشفت مدام كيري وقرينها عنصري البولونيوم، نسبة إلى بولونيا موطنها الأصلي، ثم الراديوم الذي يزيد إشعاعه على مليون مرة بالنسبة لإشعاع الايرانيوم الذي اكشفه بكارل، وهكذا تمت الخطوات الخمس من اكتشاف الراديوم والنشاط الإشعاعي