اللسان والحضارة والعمران، فصار الفرس وأهل العراق والشام ومصر يدخلون علومهم القديمة في التمدن الإسلامي الجديد)
وقد قلنا في نفس هذا المعنى شيئاً في كتابنا (الرسالة الأولى من مصادر التاريخ الإسلامي) ص ٣٧ - ٨٣ (طبع ١٩٣٦ - الإسكندرية)
(لقد فتح العرب البلاد وملكوا الأمصار عن طريق الحرب وقد نجحوا في نشر الإسلام في الأمم المغلوبة. ودخول هذه الأمم الإسلام جعلهم يخضعون لروح الإسلام الديني والاجتماعي إلى حد. إذ لم يكن هؤلاء إلا أبناء تواريخ مجيدة وحضارات تليدة فسرعان ما رأيناهم قادة المدنية الإسلامية في ساحات التفكير والحضارة. . . دخل أبناء هذه الأمم الإسلام وهم يحملون في تضاعيف عقولهم مرونة فكرية، وبين ظهرانيهم كانت مذاهب دينية متعددة في انتشارها من الوثنية إلى المسيحية في صورتيها النسطورية واليعقوبية، وكانت عقولهم تحمل في طياتها بذور المدنية اليونانية كما نقلها لهم اليعاقبة، ولم تخل أذهانهم من منازعات ستة قرون في المسائل الدينية
دخلوا الإسلام فمحا كل هذه المظاهر من عالم الشعور، ولكنه لم يمحها من طيات النفس وعالم اللاشعور، فأثرت هذه العوامل على مر الزمن عن طريق غير شعوري في تعاليم الإسلام فظهر علم الكلام
فإذا كان علم الكلام وهو من أخص العلوم الإسلامية، ظهر تحت تأثير الامتزاج الغريب بين العناصر الثقافية المختلفة في كيان الشرق العربي مع غلبة للعنصر الثقافي اليوناني في هذا الامتزاج، فلا شك أن مثل الدعوى التي يقدمها باحثنا الفاضل بأن العلم والفلسفة في تاريخ المدنية الإسلامية يرجعان إلى أصل من الإسلام في القرآن، دعوى لا تجد لها ما يسندها من حقائق التاريخ الإسلامي وفلسفة هذا التاريخ
ونقطة أخرى من نقط اعتراضات كاتبنا (باحث فاضل) فهو يعلق على قولنا (انتهى متكلمة المسلمين إلى أن العالم حادث وانتهى الغربي إلى أنه قديم) بأن معنى حادث عند متكلمة المسلمين لا تدل على تاريخ معين، وإنما أراد بها المتكلمة أن العالم حادث بالنسبة للخالق، ونحن نقول: من ذا الذي أنبأ صاحبنا بأننا لا نعني من كلمة حادث ما يعنيه المتكلمون، ونحن ننسبها لأصحاب الكلام من المسلمين. والمسألة عندي أن الشرقي يعتقد أن العالم