للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(لقد كان الإنسان من عهد سقراط الحكيم (٤٦٩ - ٣٩٩ ق م) يرى غاية التفكير في إدراك الماهية، وذلك بمعنى تكوين معاني تامة الحد. وكان معين التفكير طيلة هذا المهد منحصراً في الاستقراء حيث يتدرج العقل من الجزئيات إلى الماهية المشتركة بينها راداً كل جدل إلى الحد والماهية

وفي أوائل القرن السادس عشر أخذت جماعات قليلة من مفكري الغرب يشكون في قدرة الأسلوب التجديدي وإمكان الوصول به إلى نتائج عملية تطبيقية. وأخذت هذه الجماعات تعمل على إدماج النتائج التي تسفر عنها المشاهدات والتجارب في نظام مادِّي على قاعدة الوحدة والعلاقة. . . وكان يحدوهم في تفكيرهم هذا إيمان ثابت بنظام العالم الخارجي وتجانسه ووحدته

إذن يتبين أن التفكير العلمي قام على أساس أولي هو الإيمان بنظام العالم الخارجي وثبات هذا النظام. وهذا يعني أن العالم بقوانينه ونواميسه خالد (أبدي)، فإذا انتهى رجل العلم اليوم إلى الخالق قيده بنظام هذا الكون، على اعتبار أن العالم صادر عنه بطريق التعليل

وصرخة أخرى. . . ذلك أننا قلنا: (إن في قدرة الإنسان تغيير المقدر له عن طريق معرفة النواميس المتحكمة في وجوده) وهنا أولاً: نسبة هذه الوجهة من النظر إلى الغربي. ثانياً: ورود لفظ النواميس تجعل معنى المقدر للإنسان ما قدر له حسب نواميس الطبيعة. وهذا المقدور بطبيعة الحال يفترق عن مفهوم المقدر للإنسان في علم الله عند الشرقي. فإذا كان الأول من الممكن تغييره، وحياة الإنسان منذ بدء وجوده على الأرض تغيير للمقدرات الطبيعية له، فإن الثاني ليس في الإمكان تغييره. . . وكأني بصرخة باحثنا الفاضل قد انبعثت من عدم تفهمه كلامنا على وجهه الصحيح.

وبعد فننهي ردنا هذا بكلمة هادئة لباحثنا الفاضل، فقد وهم حين ظننا من العرب أولا ومن الشرقيين ثانياً، فلسنا من أصل عربي ولسنا شرقيين، وهذا نسبنا وتاريخ حياتنا مبسوط في شيء من الإسهاب في مقدمة دراستنا التحليلية (طه حسين) التي صدرت ربيع هذا العام. وعلى فرض أننا شرقيون ومن أرومة عربية فهل كوننا شرقيين أو عرباً يمنعنا عن قول الحقيقة إذا كانت ضدنا؟

أما ما أثاره الباحث الفاضل من اشكالات في نهاية مقاله فموعدنا بالرد عليه مقال تال،

<<  <  ج:
ص:  >  >>