للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في الأمر. ولشد ما تألم الرئيس أن علم أنه لا يزال دون النصر معركة حامية، وراح يتساءل في جزع: (ألا يمكن تجنب تلك المعركة؟ ألا يمكن تجنب تلك المعركة؟)

وأمكن تجنب تلك المعركة الحامية فلقد تمكن شيريدان وكان إلى يسار جرانت أن يقطع على (لي) آخر منفذ للهرب فتم لهما تطويقه، وأصبح تسليمه أمراً لابد منه. وفي اليوم الثالث من أبريل سقطت رتشمند التي كانت طروادة هذا الصراع العنيف

وأنى للكلام أن يصف مبلغ ما كان بالعاصمة من شعور الفرح والحبور. . . لقد بات الناس وأفاقوا على مثل مظاهر العيد. وأي عيد أجمل من هذا الذي يبشر الناس فيه بانفراج الغمة واتحاد الأمة؟

وكان الرئيس في المعسكر منذ شهر مارس يبيت مع الجند ويستطلع الأنباء كل يوم ولقد نال الجهد والإعياء من جسده حتى ليبدو كالمريض وهو الرجل الذي عرف فيما سلف بقوة بدنه ووفرة حيويته. . . ولما بلغه سقوط رتشمند وصل إليها في بساطة وهدوء، وليس معه إلا بحارة قارب حربي كان يرسو على مقربة منها فلا خيل من حوله ولا جند يفسحون له الطريق. ودخل الرئيس العظيم المدينة يمسك بيده يد ابنه الصغير تاد وهو يمشي على الأرض هوناً وليس في وجهه زهو ولا تطاول

وهرع الناس من كل فج يشهدون الرجل الذي دوت البلاد باسمه، فلما رأوه شعروا جميعاً نحوه بمثل ما يشعر الأبناء نحو أبيهم، وهو بين الجموع رابط الجأش يظهر قوامه الطويل للأعين. وتلفت الرئيس فإذا جموع السود تتقاطر من كل صوب وهم يملئون الجو بهتافاتهم باسم مخلصهم ومحطم أغلالهم، وكانوا من حوله يرقصون ويقفزون في الهواء لا يدرون ماذا يفعلون للتعبير عما في نفوسهم نحو هذا المحرر الأعظم. . . ثم تقدموا متزاحمين فتلاقوا على الأرض أمامه يقبلون قدميه وهو يرفعهم بيديه ويمسح بهما على جباههم وأكتافهم والدموع تتسايل كبيرة ساخنة من عينيه الواسعتين فتجري على محياه الكريم

وحار الرئيس برهة ماذا يقول وهو الذي لم يعرف قبل عياً ولا حصراً، ثم ناداهم قائلاً (أي أصدقائي المساكين أنتم أحرار، أحرار كالهواء. إنكم تستطيعون أن تطرحوا اسم العبودية وتطأوه بأقدامكم؛ فأنكم لن تسمعوه بعد اليوم. . . إن الحرية حقكم الذي منحكم الله كما منح غيركم) وتألم الرئيس من أن يخروا سجداً على قدميه فقال: (لا تسجدوا لي، هذا ليس

<<  <  ج:
ص:  >  >>