ألفَّت من هذه الآلات المنفردة جوقة موسيقية متحدة تسكب في مسامع
الوجود أناشيد الخلود؟
يتساءل الذين اكتنهوا حرفة الأدب وكابدوا بلاء النفس فيها: كيف تسنى للرسالة أن تعيش على خفض الاشتراك ونقص المورد من الإعلان؟ ونحن نقول عن عقيدة وخبرة: إن وفرة المال لا تضمن النجاح، كما أن كثرة الجيوش لا تكفل النصر. إنما القوة الروحية هي المدد الإلهي الذي يهبه الله للمجاهدين متى شاء أن تدول دولة، أو تعلو كلمة، أو تبلغ رسالة. وتبليغ الرسالة جهاد. والمجاهد عتاده الإيمان وزاده الصبر؛ ومن وجد في العمل منجاه من الهم وملاذه من الناس فقد وجد الثواب عليه فيه.
على أن الرسالة مع ذلك شيدت داراً وأنشأت مطبعة. وهي ترجو في عامها الجديد أن يظاهر الله عليها المعونة حتى تقوم بإنجاز ما وعدت من توسيع الخطو وتنويع العرض وتوفير العُدة
نعم وعدت الرسالة! وكان من طبعها ألا تمالق الرغبات بالتمنية، وألا تستميل الشهوات بالوعد؛ كما كان من عقيدتها أن العمل الصامت أنطق الأدلة على توخي الحق، والماضي الواضح أضمن الوثائق للمستقبل المبهم؛ ولكنها في ميعة النشاط ونشوة الأمل تطيع سورة الشباب، فتطمح إلى الكمال مغضية عن العجز، وتثب إلى الغاية مستخفة بالعوائق. وما وعْدُها اليوم إلا فيض من الرجاء طفح مما تسر على ما (تعلن)!
شكونا من الحكومة أنها تهمل الأدب، وعتبنا على القراء أنهم يعزفون عن الجد، فما نفعت الشكوى ولا أجدى العتاب. ذلك لأن الحال التي نحن عليها اليوم من اضطراب الحكم بين رغبات الأمة وحملات المعارضة، وتوزِّع الرأي المثقف بين الأهواء المتعارضة في السياسة، لا تزال تبعدنا عن حياة الأمن والاستقرار التي تعود إلى الناس فيها لذة التفكير وشهوة القراءة. فليس لنا من سبيل إلا أن نؤدي واجبنا ونسكت، أو نقول كلمتنا على رأي المسيح ونمضي. والأديب مكتوب عليه أن يجاهد ويضحي، لا يستمد العون إلا من ربه، ولا يلتمس العزاء إلا من قلبه، ولا يبتغي الثواب إلا من سلطان ضميره.
وقد ظهر في العالم الأدبي مع هذا العام الجديد مجلتان محترمتان هما (العصور) و (الثقافة)، وسيكون لصوتهما مع صوت الرسالة دوي شديد يفتح العيون الوسْنى على