للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القلب بالموجدة نرى هواء المدن يكاد يخنقهكلما دق، ومع ذلك تسمو تنهداته إلى ما فوق الدخان الأسود لتنعقد كلمة واحدة نسمعها بوضوح.

٧. تعالي إذن. ما السماء عندي إلا إطار تخيط بك زرقته. ويغمرك ضوؤه ويحميك جداره، ما الجبل إلا معبدك والغابة قبابه. العصفور فوق الزهرة لا ترنحه الرياح والزهرة لا ينبعث أريجها والطائر لا يجري أنينه إلا ليصفوا الهواء الذي تستنشقين. ما الأرض إلا بساط لقدميك الجميلتين كأقدام الطفل.

٨. أيفا: سأحب كل مخلوق، وسأتأمل في نظراتك الحالمة التي ستنشر في كل ناحية أضواءها المتعددة الألوان فتنشر معها لذتها السحرية وسكونها الضاحك. تعالي ضعي يدك الطاهرة على قلبي الممزق. لا تتركيني وحيداً مع الطبيعة لأنني أعرفها حق المعرفة لكي لا أخشاها.

٩. أراها تخاطبني قائلة: ما أنا إلا ذلك الملعب الذي لا تحركه أقدام اللاعبين. درجاتي الزمردية وساحاتي المرمرية وأعمدتي الرخامية صاغتها يد الله. هيهات أن أستمع إلى صيحاتكم أو إلى تنهداتكم بل ما أكاد أحس بالمهزلة الإنسانية التي تمر فوق ظهري باحثة لها عبثاً عن متفرجين بُكْمٍ في السماء.

١٠. فأنا أطوي البشر بجانب من غير أن أسمعهم أو أبصرهم كما لا أميز بين أجحار النمل ومسحوق رفات الإنسان. لا علم لي بأسماء الأمم التي أقلها. يسمونني أمهم وما أنا إلا قبرهم. شتائي يلتهم أموتهم قربانا له، وربيعي لا يستمع لصلوات غرامهم.

١١. لقد كنت قبل أن توجدوا دائماً معطرة وجميلة يوم كنت أترك للرياح شعوري المنحلة، وأسلك في السماء طريقي المعتاد فوق قب الميزان ذي الكفات الإلهية. فلما وجدتم ذهبت وحيدة في صمت رهيب أعبر الفضاء الذي تتقاذف فيه الكائنات، وأشق الهواء بجبهتي وثديي الناهدين.

١٢. هكذا تخاطبني الطبيعة في صوت حزين متعال، وأنا أبغضها في نفسي وأرى دمنا في أمواج مياهها، وجثث موتانا تحت حشائشها تغذي بعصيرها جذور غاباتها. وأقول لعيني اللتين قد ترياني فيها جمالا (حولا نظراتكما إلى غيرها) وأسكبا دمعاتكما على سواها. ليكن حبكما لما سوف لا تريانه مرتين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>