للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التراب وإليه تعود؟ أم ترى هي هنا - كما يقول غرورها - لنلعب على مسرح الحياة دورها الخالد المحتوم؟ وأي دور ذاك وما عسى أن يكون؟ لقد سقطت المدنية الشرقية تحت أقدام المدنية اليونانية، كما سقطت المدنية اليونانية تحت أقدام المدنية الرومانية، وكما سقطت هذه الأخيرة تحت أقدام المدنية الجرمانية، فترى أي مصير سيكون لهذه الأخيرة؟ أهو الانتصار المحتوم ثم السقوط كما حدث لسابقتها؟ وماذا يكون دور الإنسانية إذاً؟ أهو الدوران في حلقة مفرغة؟ أم هو الترقي والتقدم؟ وأين الترقي والتقدم من وحشية الحروب وفظاعتها؟ وهكذا يحار الإنسان كثيراً وسط هذه الغيوم فيتساءل عبثاً عن القانون الذي يسوق قطيع البشرية بهراوته من أصل مجهول إلى مصير مجهول!

ثم (العلم) بماذا يحدثنا؟ إنه يقول إننا مجرد حلقة في سلسلة المخلوقات!؛ فالأرض قد استُعمرت في المبدأ بالنباتات الضخمة التي لا تقارن بها نباتاتنا، والتي لم تكن لتظل بأوراقها الواسعة العريضة كائناً ما! ثم جاءت ثورة جارفة هدمت تلك الخليقة الأولى كما لو كان خلقها عبثاً، وأحلت محلها خليقة أخرى هي الزواحف والأسماك!! ثم جاءت من بعد هذه خليقة ذوات الأربع الهائلة فمهدت الطريق للإنسان الذي طفا أخيراً على السطح كحلقة في سلسلة سابقة! وقد عاشت كل خليقة من هذه الخلائق السابقة على الأرض كما نعيش الآن، فلم لا يأتي يوم ننقرض فيه وتصبح عظامنا أمام الخلائق الجديدة مجرد حفريات ضخمة شائهة تحويها المتاحف وتعجب منها العقول؟؟ إننا حلقة بين حلقات مجهولة ناقصة، وقد خرجت هذه الحلقة لتتحطم بدورها كما تحطمت أخوات لها من قبل، فمن نحن إذاً؟ وأي حق لنا في الأمل والغرور؟؟

في كل مكان إذاً حدود، وفي كل مكان ظلام وعجز وألغاز تتلو ألغازاً! ونحن نجد أنفسنا متسائلين وحائرين كلما وقعنا تحت تأثير هذه الظروف، وكم منا قد انتحر إزاء هذا المشكل الكبير!، وكم منا قد لجأ للعقائد التقليدية ليقنع بما فيها من أقوال ووعود، ولكن خيط حياتنا لا يفتأ يهتز ويتذبذب كلما تساءلنا في حزن وأسى عن أصلنا ودورنا ومصيرنا المحتوم!!

ولكن الأمر يبدو بالرغم من ذلك كله أهون مما نظن! وذلك لأن الحياة والموت، والسعادة والشقاء، وعِظم الخليقة وظلام التاريخ؛ كل ذلك وإن أحزن القلب والعقل والضمير فهو يتحدث إلينا بألف لسان ليثير ثورة جارفة تصد اليأس. وتذود النوم، وتدفع الإنسانية إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>