إذا رجعنا بالخيال إلى هذا الحد، ووصلنا بالتفكير في هذا النوع من الإنسان مهما بعد في الزمن، نستطيع أن نعتبر أن اكتشافه للنار واستعماله إياها كان خطوة واسعة في سبيل تغيره وتقدمه ككائن بات يختلف يوماً بعد يوم عن الحيوان؛ فهو إن شابهه في أنه مخلوق له جسم يقاربه وحواس تشبهه، يولد ويعيش ويموت، ولكنه يمتاز عنه بشيء كثير من الروية والاستفادة بتفكره
إذا رجعنا بخيالنا إلى هذا المدى علمنا أن اكتشافه هذا كان خطوة هامة في سبيل المدنية ومقدمة لسلسة من الاكتشافات التي نعتبرها ميراثنا العلمي، هذا الميراث الذي ساعد اختراع المصريين للكتابة على الإفادة منه على ممر السنين، والذي تضخم باختراع الأوروبيين للطباعة حديثاً والصينيين قديماً حتى بلغ العلم من الاتساع والتقدم حداً أصبح من الصعب معه على كائن أن يستوعب ناحية واحدة منه، هذا الميراث العلمي عظيم إلى درجة يبعد معها أن تقضي عليه الحروب بين البشر.
لقد حاولنا في السنين الأخيرة أن نستعرض هذا الميراث العلمي وندرس نواحيه ونقف على ما حدث فيه من تطورات لنعرف مداها ونستخلص المهم فيها ونستنتج من تتبع هذه النواحي شيئاً عن آمالنا في المستقبل، ولعل هناك أمراً واضحاً نتفق عليه وهو الدور الخطير الذي لعبته العلوم الطبيعية في التطور نحو النور والمعرفة؛ فبينما سارت العلوم الزراعية والجيولوجية والطبية والبيولوجية وغيرها بخطوات متزنة معقولة، إذ بالعلوم الطبيعية قد طفرت في نصف القرن الأخير طفرات جديرة بالإعجاب. ولو أن أحد أسلافنا دبت فيه الحياة مرة أخرى فدخل أحد منازلنا فربما لا يبلغ تعجبه من تنسيق حديقة المنزل أو ما به من أثاث كما لا يعجب مثلاً بنوع الفاكهة التي تقدم إليه، بقدر تعجبه من الراديو أو التليفزيون
لأن تميل الزهرة إلى الحمرة أو الخضرة، وأن يكون لها العبير الذي نعرفه أو لا يكون، فلا يخرجها كثيراً عن عهده بها.
ولأن يكون المقعد من الخشب أو معدن الكروم أو من الحجارة أو من المواد الجديدة في الصناعة التي تشبه الزجاج وتفوقه بقابليتها للانحناء والالتواء لا يخرج لنا في النهاية سوى مقعد للجلوس قد لا يفوق مقعد توت عنخ أمون الذي يشعر نفوسنا حين نراه الآن في