فتراني في الوقت الذي أصبحت النظريات الطبيعية الحديثة تمشي بخطوات سريعة، وتسيطر على شتى العلوم والمعارف، أصور في هذه الكلمات الموجزة أهم هذه الحوادث، وأصف - حسب فهمي - الكون الذي نعيش فيه، وأقدم لمتناول قراء العربية تقريراً عن المهم من الوقائع العلمية الحديثة، مستعرضاً الحقائق الرئيسية في العلوم الطبيعية وما يتصل بها من الانتصارات التي قبلت اليوم أوضاع العلم والمعرفة.
وفي الوقت الذي أطمع فيه أن أستعرض من صورة العالم معالمه الرئيسية أرجو أن يسمح لي بذكر كلمة عن غرضي، وعن الفكرة التي أوحت إلي بهذه المقالات، وعن الخطة التي سأتبعها لكي نتصل معاً بأهم ما يشغل العلماء اليوم.
إن الأبحاث العلمية وما يتم فيها كل يوم لا يمكن أن تكون موضع عناية الناس عامة كما يعني بها العلماء الذين يهبون أوقاتهم للبحث العلمي. فالعالم يعنيه ما يستجد كل يوم من إضافة، إذ أن هذه الإضافة يتوقف عليها توجيه الأعمال التي يرجو الوصول إلى نتائج جديدة فيها. أما الآخرون فإن أوقاتهم مقسمة طول اليوم بين عملهم البعيد جداً عن المسائل العلمية، وبين فترات من الراحة لتجديد نشاطهم في المنزل بين ذويهم أو في الخارج بين إخوانهم. فالطالب في كليته، والمدرس في مدرسته، والعامل بين الدينامو والموتور في مصنعه، والمحامي بين المحكمة ومكتبه، وساعي البريد انتهى من عمله وخلع محفظته والموظف والتاجر والضابط والقاضي وكل أصحاب الأعمال والمهن يصعب عليهم أن يجدوا متسعاً من الوقت لتتبع الحوادث العلمية وما يجد في طياتها من تغييرات.
ماذا يقدم العلم لهؤلاء الذين تمتصهم الأعمال المادية حتى يصبحوا جزءاً منها، والذين لم تواتهم الفرصة للتعود على التفكير العلمي الحديث وتنسم أخباره؟
في كل هؤلاء فكرت وتساءلت: هل نستطيع أن نُعبِّد لهم سبيل الارتياح لهذه العلوم؟ وهل من الممكن أن نشرح نظاماً مثل الذي أصبحت عليه العلوم الطبيعية الحديثة؟ هذه العلوم الغارقة في الرموز الرياضية التي بلغ التوسع والتسلسل فيها مبلغاً أصبح معه تتبعها عسيراً حتى على الأخصائيين؟ هل من السهل تبسيط العلوم الطبيعية التي أصبحت اليوم المفتاح لمعظم التطورات العلمية وما يتصل بها من توجيه جديد لفكر البشر؟ هل من الجائز أن نشرح هذا لإخواننا الشرقيين في سلسلة مقالات بالرسالة فنشترك معاً في أعظم