وأخذ يقلِّب الكتاب صفحة صفحة وهو يقرأ عجلان غير متريث؛ ثم وقع فجأة على خبر استرعى انتباهه، وأيقظ شيئاً في نفسه، وأخذ يقرأ:
(. . . وكان (مشلينيا) وزير الملك الوثني الطاغية (دقيانوس) مسيحياً مؤمناً، ولكنه كان لا يجهر بدينه عند مولاه، وقد اتخذ في داره معبداً لا يعرف الطريق إليه إلا صديقه (مرنوش) حيث يلتقيان كل مساء لعبادة الرب الأعظم!)
وهز صهيون رأسه مبتسماً وهو يقول:(ما أبدع هذا!) ثم عاد يقرأ:
(. . . ووقف دقيانوس على سر ميشلينيا وصاحبه، فثارت ثائرته. . .:)
وخفق قلب صهيون بعنف، إشفاقاً على الفتيين من ثورة الملك الذي لا يرحم، واستمر يقرأ:
(. . . وتوعد الملك وزيره بأقصى العقاب، وضرب له أجلاً يفئ فيه إلى نفسه قبل أن يمضي فيه أمر الملك ويحل عقابه. . .!)
وازدادت خفقات قلب الكاهن عنفاً وشدة، وحضره ما يذكر من سيرة هذا الملك المتأله الذي خضب أرض طرسوس بدماء المؤمنين من رعيته كبرياء على الله، في غير رحمة ولا إحسان.
ثم عاد الكاهن يقرأ:
(. . . ولكن يد دقيانوس لم تنل ميشيلينيا وصحبه، فقد استطاعوا الفرار من بطش الملك الجبار إلى مكان لا يعلمه أحد. . . كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة. . .)
وشاع السرور في نفس صهيون حين بلغ هذا الموضع من قصة أهل الكهف، وتمتم صلاة خافتة يشكر الله؛ ولكنه استمر يقرأ:
(. . . وبلغ دقيانوس نبأ فرار ميشلينيا وصحبه فغلى غليانه، وسمى جائزة: مائة ألف درهم لمن يأتيه بميشلينيا حياً. . .!)
وبلع صهيون ريقه وأفلت الكتاب من يده؛ مائة ألف درهم! يالها من ثروة! ليته كان في عهد دقيانوس، إذن لفعل كل ما يقدر عليه ليظفر بالجائزة. . . الوثنية اليهودية، المسيحية: ما كل أولئك بازاء مائة ألف درهم؟. . . الله، المسيح، دقيانوس، ميشلينيا؛ ماذا يعنيه كل هؤلاء لو كان يملك مائة ألف درهم؟. . .