يتهافت في جسد ضارع وهيئة زرية؛ فما زال يتلطف به ويهاويه حتى كشفه عن أمره، وعاد به إلى الأسرة المفجوعة في ولدها الوحيد، وأملها الفرد، وملجئها الأخير، وشرفها الباقي. . .
ليس في طاقتي يا آنستي أن أقص عليك خاتمة هذه المأساة. ولو كان وصفها في إمكاني، لما كان استماعه في إمكانك. فإني أعرف رقة قلبك ووهن جَلدك في مثل هذه الحال. . . وليس من العسير على فطنتك استنتاج ما حدث. فالفتى من تباريج الجوى أصيب بالسل فمزَّق رئتيه وشفَّ جسمه، فهو في السرير عظم هامد ينتظر النهاية المحتومة. والأم من هول النكبة أخذها الفالج؛ فهي سطيحة على الفراش لا تُمر ولا تُحلى. والأب من فقد الرجاء اعتراه الخبال فمات قتيلاً في حادث محزن.
والبنات؟ البنات بقين بعد المخبول والمسلول مع الأم الكسيحة لا كاسبٌ ولا خاطب. فتصوري يا آنستي كيف يعشن! لو كان للإسلام أديرة صوفية لدخلن في حمى الدين؛ ولو كان للحكومة مدارس خيرية لاعتصمن بقوة العلم؛ ولو كان للأوقاف ملاجئ نسوية لعشن في ظلال الخير. ولكنهن يا آنستي يعشن العيش الكريه الضنك على فضلات الأقارب الأباعد. ومثل هذا العيش لا يثبت عليه إيمان ولا أمان. والبيت البائس إذا لم يدخله الملَك دخله الشيطان. . .