للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

علينا أن ننظر إلى ذلك من الوجهة الجغرافية والجنسية أيضاً، ولاسيما أن الإيطاليين قد وجهوا عنايتهم إلى إنشاء مستعمرات لهم - حتى في الأجزاء الفقيرة التربة من لوبيا - فلم يبق عند أحد شك في أن هنالك برنامجاً عسكرياً له علاقة كبيرة بما وراء طرابلس وبرقة شرقاً وغرباً.

إن البواخر الإيطالية حملت إلى القطر الطرابلسي الشقيق في أواخر أكتوبر الماضي ألفاً وثمانمائة أسرة إيطالية تقدر نفوسها بعشرين ألفاً. فأسكنت الحكومة منهم ألفاً ومائتي عائلة في جهة طرابلس وستمائة عائلة في جهة برقة. وهذه أول دفعة من خمسة ملايين نسمة إيطالية تقرر نقلها إلى طرابلس الغرب. وقد خصصت حكومة روما لهذه الهجرة في ميزانية وزارة أفريقية مائة مليون فرنك في كل سنة لبناء القرى واستنباط المياه وإصلاح الأراضي للإيطاليين. وكان في طرابلس قبل مجيء هؤلاء نحو مائة ألف عائلة إيطالية غير الجنود ومن ينظم إلى سلك الحكومة، وهؤلاء وأولئك تحميهم الحكومة بقوتها. وقد أخذت لهم ١٤٧ ألف فدان من أفضل أراضي لوبيا دون ثمن، وأجلت العرب عن أراضيهم الخصبة في برقة الحمراء، ونقلتهم إلى الأراضي المجدبة الممتدة إلى الوادي الفارغ جنوباً وإلى المرج شرقاً وإلى شاطئ البحر شمالاً وهي أرض قليلة الآبار تزرع على المطر. أما برقة الحمراء التي تمتد من شطوط مدينة بني غازي إلى ما وراء المرج في الجنوب وتشمل الجبل الأخضر كله إلى ما وراء مدينة درنة في الجهة الشرقية، فانتزعت من أيدي أصحابها الشرعيين وهم العرب وأعطيت للمغتصبين من المستعمرين الذين جيء بهم من إيطاليا ليكونوا جيران مصر إلى الأبد، وليتاخموها في السلم والحرب، وأصبح الجبل الأخضر والأراضي الخصبة جميعاً محرَّماً دخولها على أبناء العرب.

وقد أصبح المصريون متاخمين لجهات ليست من أوطان إخوانهم عرب برقة الذين يشتركون معهم في اللغة والدين، بل لجهات ستكون عما قريب مسكونة كلها بإيطاليين، وعليهم من الآن أن ينظروا إليها كما ينظر الفرنسي إلى حدوده الألمانية والألماني إلى حدوده الفرنسية.

وإذا كانت إيطاليا لا تتورع عن إزعاج العالم الإسلامي بهذه المظالم وهي تمد عينيها إلى تونس، فماذا يكون حالها مع المسلمين إذا جاء وقت لا يهمها فيه أن تنشر دعايتها

<<  <  ج:
ص:  >  >>