للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكان الشافعي بطبعه نهماً في العلم، يلتمس كل ما يجده من فنونه، وقد ذكر من ترجموا له: أنه اشتغل بالفراسة حين ذهب إلى اليمن، وعالج التنجيم والطب، وربما كان درسهما في إحدى رحلاته إلى العراق، حيث كان التنجيم يعتبر فرعاً من فروع العلوم الرياضية، وكان الطب فرعاً من العلم الطبيعي، والعلم الرياضي، والعلم الطبيعي قسمان من أقسام الفلسفة التي كان مسلمو العراق أخذوا يتنسمون ريحها، وكان الشافعي مغرى بالرمي في شبابه ولم يكن في كهولته يأنف من الوقوف عند مهرة الرماة يدعو لهم ويمدهم بالمال، ويظهر: أنه لم يكن شديداً في جرح الرجال كعادة أهل الحديث، وقد نقل صاحب كتاب (طبقات الشافعية الكبرى) حكاية تدل على سخرية الشافعي من تزمت المزكين.

(قال الشافعي - رضي الله عنه - حضرت بمصر رجلاً مزكياً يجرح رجلاً فسئل عن سببه وألح عليه فقال: رأيته يبول قائماً، قيل وما في ذلك؟ قال: يرد الريح من رشاشه على بدنه وثيابه فيصلي فيه، قيل هل رأيته أصابه الرشاش وصلى قبل أن يغسل ما أصابه؟ قال: لا ولكن أراه سيفعل؟ حـ - ١ - ص ١٩٤، ١٩٥

وكان في العلماء المعاصرين للشافعي: بل أهل الرأي منهم بله أهل الحديث من لا يراه ممعناً في الحديث (عن أبي عبد الله الصاغاني يحدث عن يحيى بن أكثم قال: كنا عند محمد بن الحسن في المناظرة، وكان الشافعي رجلاً قرشي العقل والفهم، صافي الذهن، سريع الإصابة، ولو كان أكثر سماع الحديث لاستغنت أمة محمد به عن غيره من العلماء (ابن حجر ص٥٩)

ولما ذهب الشافعي إلى العراق استرعى نظره تحامل أهل الرأي على أستاذه مالك وعلى مذهبه، وكان أهل الرأي أقوى سنداً وأعظم جاهاً بما لهم من المكانة عند الخلفاء، وبتوليهم شؤون القضاء، ذلك إلى أنهم أوسع حيلة في الجدل من أهل الحديث وأنفذ بياناً، ويمثل حال الفريقين من هذه الناحية، ما روي عن أمامي أهل الرأي وأهل الحديث: أبي حنيفة ومالك.

روى ابن عبد البر المالكي عن الطبري قال: وكان مالك قد ضرب بالسياط، واختلف فيمن ضربه وفي السبب الذي ضرب فيه قال: فحدثني العباس بن الوليد قال: خبرنا ذكوان عن مروان الطاطري أن أبا جعفر نهى مالكاً عن الحديث: (ليس على مستكره طلاق) ثم دس

<<  <  ج:
ص:  >  >>