المدينة من البطالسة والمصريين وغيرهما، كذلك وجود الفلاسفة المشتغلين ضمنا بالطب والجراحة فضلاً عما بعثوه في العقول بتعاليمهم التي تحض على النظر والدرس والتأمل إلى جانب مجموعة الكتب العظيمة بالمكتبة الخالد ة - في هذا المحيط وهذه البيئة نشأ الفنان الإسكندري محاطاً بما يوقظ فيه روح العمل والابتكار
ولعل خير مثل لذلك بقايا التماثيل ومنها رأس من البرونز يمثل امرأة مصرية تجلت على ملامحها مصريتها وحيويتها.
وكان للإنتاج الفني غير العمارة والزخرفة والنحت الواقعي اتجاهاً مثلياً رائعاً تراه في تمثال (النيل) المحفوظ بالفاتيكان في روما، والذي وصل منه أنموذج إلى هذه البلاد منذ أعوام. فإذا نظرت إلى صورته رأيت إلى أي مدى استطاع الفنان الوصول إلى ذروة الفن المعاصر لتلك الأيام، فإلى جانبه تتضاءل التماثيل التي عملت للأمراء ولهوميروس، والتي لا يمكن أن توصف إلا بكونها من أحسن ما أخرجه الفنانون
أنظر إلى صورة الإله (النيل) ولاحظ ما بدا على وجهه من عوامل التأمل والتفكير في مصير أولاده الستة عشرة (فروع النيل الكبرى والصغرى) وشاهد كيف يتكئ بكتفه على (أبي الهول) الرابض بجانبه، وقد اختار الفنان (لأولاد النيل) أوضاعاً شتى فظهر كل منهم مخالفاً لغيره، وفي هذا ما فيه من الغنى الفني
كذلك اتجه التصوير اتجاهاً جديداً فخرج من تمثيله لصور الأمراء والعظماء إلى تمثيل الحياة العامة والعادات الاجتماعية فرسمت على الحوائط مناظر صادقة في التعبير عن العصر الذي عملت فيه، وغير ذلك للمناظر الطبيعية كتلك التي صورت لنا أجزاء من المدينة محاطة بالغابات ذات الأشجار العالية، والتي نصبت بينها تماثيل بأوضاع دلت على حسن التنسيق والوصول إلى درجة فائقة في فن تخطيط المدن وهندستها، وهذا الوضع يذكرنا بالحالة التي كان الفن البومبياني (نسبة إلى بومبي) يسير عليها
على أن الفن الإسكندري، أو إن شئت فقل الفن المصري في عهد البطالسة، كان قصير العمر بالقياس إلى الفن المصري في العصور أخرى أو إلى الفنون الأجنبية، فعندما وصل الفن البرجاموني والفن في رودس إلى أوج عظمتهما حوالي منتصف القرن الثاني قبل المسيح، كان الفن الإسكندري سائراً نحو الهبوط؛ فانتقل إلى إيطاليا. وخير برهان على