للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العقلية اليونانية هي التي قضت على اليونان بأن يكونوا باعة الفاصوليا والسردين!

أنا لا أنكر قيمة التراث الذي خلّفه اليونان القدماء، ولكني أرتاب في أنه وصل إلى ألفاف العقلية المصرية.

وأنت تعرف من نفسك ما أعرفه من نفسي، أنت تعرف أننا لم نفقه الفلسفة اليونانية إلا بعد أن ارتضنا رياضةً عنيفة جداً. فإن ادعيت أنك فقهت فلسفة اليونان وأنت طالب في الأزهر فأنا أقول إني لم أفقه تلك الفلسفة حق الفقه إلا بعد أن تلقيتها على أساتذة أوربيين في الجامعة المصرية. وما أظنك تتهمني بقلة الذكاء

والعلوم التي لا تهضم إلا بعد جهد ومشقة لا تغير عقليات الشعوب وإن غيرت عقليات الأفراد

أنت تعرف فيما تعرف أن الفقه الإسلامي نفسه كان يتغير بالانتقال من أرض إلى أرض، فكان للشافعي مذهب في مصر ومذهب في العراق. ومعنى ذلك أيها الأستاذ الجليل أن العقليات تتغير من وقت إلى وقت باختلاف ظرف الزمان، وظرف المكان

والموجة الإسلامية التي طغت على مصر فنقلتها من لغة إلى لغة ومن دين إلى دين، والتي قضت بأن تتفرد مصر بحراسة العروبة والإسلام بعد سقوط بغداد؛ هذه الموجة العاتية لا يمكن أن يقال إنها لم تنقل مصر من العقلية اليونانية إلى العقلية الإسلامية

ولكن ما هي تلك العقلية الإسلامية؟ هي لونٌ آخر غير العقلية اليونانية بلا جدال، وهي لا تُشرح في مقال واحد، وإنما يشرحها كتاب ينفق فيه رجل مثلك عدداً من السنين الطوال

وأنا مع هذا لا أنكر أن الإسلام في مصر له خصائص غير الخصائص التي يجدها الباحث حين يدرس الإسلام في الحجاز أو في الشام أو في المغرب أو في العراق

وقد تعرضتُ لشرح بعض هذه الخصائص حين تكلمت عن صور المجتمع الإسلامي في كتب صوفية، ولكنها ما تزال في حاجة إلى درس أوفى من الدرس الذي يقع في فصل من كتاب

أقول هذا وأنا أشعر بأني لم أزحزحك تماماً عن موقفك، ولكني موقن بأني عرضت صدرك لشبهات ستوجب عليك الحذر حين تتكلم في هذا الموضوع مرة ثانية؛ وأنت تعرف ما أعني

<<  <  ج:
ص:  >  >>