كذاك أُدِّبت حتى صار من خلقي ... أني وجدت ملاك الشيمة الأدبا
واتخذ الخلفاء والكبراء في العصر الأموي فما بعده معلمين يؤدبون أولادهم فكانوا يسموْن (المؤدِّبين) وكانوا يؤدبون برواية الكلام البليغ الداعي إلى المكارم، الحافز إلى العظائم. وقد روى عن عبد الملك بن مروان أنه قال لمؤدِّب ولده: وعلمهم الشعر يمجدوا وينجدوا
وفي عيون الأخبار أن عمر بن عبد العزيز قال لمؤدبه: كيف كانت طاعتي إياك وأنت تؤدبني؟ قال: أحسن طاعة؛ قال: فأطعني الآن كما كنت أطيعك
وكان المؤدبون، حين يروون القصائد والخطب والأمثال، يذكرون طرفاً من أخبار أصحابها ونُبذاً من الواقعات التي قيلت فيها فاستعمل الأدب في الشعر والنثر وما يتصل به من أخبار ونوادر، وفشا هذا العرف على مر العصور، وسُمِّي من يروي الأدب وأخباره ويعلمه أديباً
وامتاز الأديب من الشاعر والكاتب. فإذا غلب على الرجل درس الأدب وتعليمه فهو أديب، وإذا غلب عليه إنشاء الشعر فهو شاعر، وإذا غلب عليه إنشاء النثر فهو كاتب. وربما جمع الرجل هذه الألقاب الثلاثة أو اثنين منها
وأطلقت كلمة (الأدب) منذ تلك العصور على المعنيين: المعنى الخلقي والمعنى الكلامي؛ أعني حسن الخلق والمعاملة والكلام البليغ وما يتصل به من أخبار. وقد ذكر هذين المعنيين ابن قتيبة في مقدمة كتابه (أدب الكاتب) إذ قال: (نحن نستحب لمن قبل عنا أو ائتم بكتبنا أن يؤدّب نفسه قبل أن يؤدّب لسانه ويهذب أخلاقه قبل أن يهذب ألفاظه)، وقيل لهذين المعنيين من بعد (أدب النفس وأدب الدرس)
فأما أدب النفس فقد توسعوا فيه حتى شمل كل طريقة مستحسنة في علم أو عمل، وألّفت كتب باسم أدب القاضي وأدب المفتي، وأدب القراءة، وأدب المحدث، وأدب البحث، وأدب المتعلم، وأدب المريد، وأدب النديم، وأدب الدنيا والدين ونحو ذلك
وأما أدب الدرس فقد وسعوه كذلك حتى شمل علوماً عُدّة سميت علوم الأدب أو علم الأدب، وأحياناً يسمونها الأدب اختصاراً
علم الأدب
لم يكن بد لدراسي الشعر والنثر من معرفة قوانين العربية التي تعصم ألسنتهم من الخطأ؛