أما تمثيل القصة فيدلنا على أمرين: الأول مهارة الممثلين المصريين في فن (المهزلة)(مثلاً مختار عثمان وفؤاد شفيق)، ولن أنسى ساعة يدخل الخادم الريفي على الباشا وزوجه فيجري حديث صامت يضحك المصلوب. والسبب في ذلك أن التمثيل في مصر قام - أول ما قام - على المسرحيات الهزلية، وأن سليقة المصري إلى الخفة والظرف والمرح والمحاكاة الساخرة ميّالة. وأما فن المأساة فالمصري لا يتقنه بعد لأنه لا يحكم كيف يمثل الإنسان، الإنسان من غير صفة تصفه، الإنسان على سجيّته. وتعليل هذا أنه تجذبه المبالغة في التعبير على الغالب وتعوزه قوة الصدق في الإحساس الدفين أحياناً
والأمر الثاني مضّي الممثلات في طريق الإتقان، من حيث أنهنه طرحن التكلف وسلّمنا بأن التواضع فضيلة وأدركنا أن الكلام الملقى مصدره القلب أو العقل لا الذاكرة ولا الدعابة (الشخلعة). . . وما ضرّ الأستاذ سليمان نجيب وهو بطل القصة (مع لقب بك) لو حذا حذوهن فتحلّى بالبساطة وأطلق وجهه من الإطار الذي حبسه فيه: إطار يغلب عليه الجفاء ويطرد فيه الانقباض مع شيء من العجب؛ إطار يحصر ابتسامة لا تتبدلّ كأنها مسمرة به، ولا تَرِف لأنها على حظ من التقبّض
بقيت القصة (وهي من تصنيف الأستاذ سليمان نجيب). ومجمل القول فيها أنها تصلح موضوعاً لخطبة يخطبها مصلح اجتماعي متطرف. وإليك فقرات من البرنامج المطبوع، وقد ذكرت بحروفها أو بمعانيها في أثناء التمثيل
(فلم الدكتور صراع بين الحب العاطفي والحب الأبوي)، (مشكلة العصر: الرجل، المرأة: أيهما يسسود)(فلم الدكتور يعالج داءً قاسياً داء التماسك بالطبقات والتغاضي عن قيمة الأشخاص)(فلم الدكتور يعيد إلى الريف المصري مجده وعظمته ويرد إليه أبنائه الذين سحرتهم مدنية المدن وبهاؤها البراق الخداع)، (حياة اللهو وحياة الاستقامة: أيهما أفضل)، (حياة الترف في الحضر وحياة البساطة في الريف) الخ. . .
يا الله ما هذا الداء المتفشي في المؤلفين عندنا ولاسيما الذين يؤلفون للمسرح والسينما؟ يريد كلهم أن ينقلبوا وعاظاً. فهل لهم - أصلحهم الله وأبقاهم ذخراً للفضيلة ومكارم الأخلاق؟ -