للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تجافي بينهم عداوة

مَن غير الله يستطيع أن يرقق هذه الكبد الغليظة في هذا الغني المبطان الذي غلا في الكبر، ولج في الهوى، ودلَّل نفسه على ذل الناس، وأمسك رزق الله في خزائنه فلا يطلقه إلا لشهوة أو نزوة؟

من غير الله يستطيع أن يقلَّب العَبر على عيني هذا المغرور فيريه بالشكل والمرض والهمم أن الراحة في النفس ألذ منها في الجسم، وأن الجمال في الرحمة أسمى منه في الجبروت، وأن السعادة في الإعطاء أعظم منها في الأخذ، وأن خير ما في الدنيا هو ما انتقل معه إلى الآخرة؟

هيهات أن يكون في الأرض إيمان ما دام في الأرض فقر. فإن أسباب الفقر ممدودة من الطمع والشح والأثرة؛ وهذه الخلال السوء لا تطمئن عليها نفسٌ مؤمنة. وإن من ضلال الإفهام أو الأقلام أن نعالج الفقر على أنه ناجم من ندرة العمل في البلد أو قلة الخير في الدنيا، فإن العمل ميسور للقادر، ورزق الله موفور للحي. وإذا شكت الأمم اكتظاظ المعامل ونضوب الموارد وضيق الرقعة، فإن مصر الجديدة البكر بينها وبين هذه الشكوى أن تمصِر المصانع والمعامل والمتاجر والمصارف والشركات، وما بالقليل ذلك

لا تطلبوا من الفقير العمل قبل أن توفروا له القدرة عليه. إنه جاهل فاشرعوا له منهل العلم؛ وإنه عليل فانهجوا له سبيل الصحة؛ وإنه معدم فدبروا له رأس المال. ومن بلادة الحس أن الغني يسمعك وأنت تقرأ هذا الكلام، فلا يظن المخاطَب به أحداً غير الحكومة، فيشارك في النقد، ويسرف في الإنكار، ويلح في الطلب، لأن الحكومة في رأيه يجب أن تلبي كل نداء، وأن تؤدي كل واجب. والحكومة لو درى هذا المتواكل القدم لا تتسع مواردها بكل رغبة؛ فإنها لم تجبُ منه ومن أمثاله إلا حق العمارة والأمن؛ أما حق الله عنده فقد وكلت أداءه إلى ضميره، يعطيه من يشاء متى يشاء وكيف يشاء؛ ولكن الضمائر نامت على هدهدة الشهوات، والعواطف قست على جفاف المادة؛ وبين غفوة الضمير، وقسوة العاطفة، ذهب وازع الدين فلم يبق إلا وازع السلطان

فهل يفكر أولو الأمر أن يعالجوا الفقر بما عالجه الله به فيجبوا الزكاة وينظموا الإحسان؟ إنهم إن يفعلوا ذلك لا يجدوا في البيوت عائلاً، ولا في الطريق سائلاً، ولا في السجون

<<  <  ج:
ص:  >  >>