ويكتب الأزهري الناشئ قطعة (أمام المحراب) بشعر منثور فإذا هي صرخة نفس تتجه إلى خالقها بإيمان يختلج له القلب ويتنبأ لرجال اليوم بتفوق رجال الغد عليهم في إدراك عظمة العبادة ومبادئ الدين الحق
وتقرأ بعد هذه الصلاة مقالاً بعنوان (نزعة الإجرام) يقف فيه الفتى المعمم - وهو لما يبلغ العشرين من سنيه - وقفة الشيخ الحكيم ينفذ بنظراته إلى ما وراء القانون المدني من وازع في الشرع والأخلاق يجتث الإجرام من أصوله
وهكذا يسير الفتى الناضج فيكلمك عن غدر الصديق وعن أيام قضاها في رأس البر يرجع منها يعبر عن الصيانة ومكارم الأخلاق وعن أمل المحبين في مناجاة للقمر، كلها وصف دقيق وشعور رقيق، وعن إصلاح الصحافة فيعرض لها في منازعها وأحزابها وفي قوتها وضعفها. ويصور لك الفراش الدائر بالمصباح وخيانة ابنة ساطرون لأبيها في سبيل عشقها لعدوه كسرى سابور بقصة من أروع وقائع التاريخ، ثم يورد أسطورة الأميرة ليستغل منها عبرة التعاون بين الناس، وينشدك بعد ذلك قصيدة عامرة يهيب فيها بالشباب للدفاع عن الوطن ثم يرسل نجواه إلى لليل فيريك كيف يتجلى النضوج في روح الشباب إذ هو اتخذ الدجنة مركضاً للتفكير لا ستراً للمعاصي وارتكاب الموبقات، ويوجه بعد ذلك خطاباً للمرشدات تدلك على احترام فتى مصر لفتاته ورفعه لمقامها إلى حيث أراد الشارع الأعظم، ثم يعطف على زهرة القبور يناجيها فتى شاعراً وشيخاً مؤمناً، فلا تدري أيسمعك هذا الهاتف قصيدة أم ابتهالاً. ولا يفوت الشيخ الفتى أن يعقد فصلاً عن شهر الصيام يتجلى فيه الزهد والعزم قوة واحدة تجاه الحياة
وأخيراً يعرض عليك قصة عربية عن الحب اتخذ الأندلس مسرحاً لها ليعرض للحب الأسمى وللشهوة الدنيئة بتحليل رائع، ويتبع هذه القصة بأخرى عن سرعة الخاطر عند العرب وبأسطورة عن السعادة ويختم الكتاب برواية مسرحية للأطفال.
إن العبقرية العربية تنتبه في هذا الجيل الذي يتقدم ليحل محلنا على الذروة نحن النازلين منها إلى الأغوار.
لقد ولدت أقلامنا أقلاماً خيراً منها، وما كان بيننا من يكتب بين الخامسة عشرة والعشرين