بالسنيور موسوليني إلى تجديد الخلاف مع فرنسا على بساط المطالب الاستعمارية. ولم يكن في الواقع الداعي لهذه المطالب سبباً تاريخياً، أو حرص على تطبيق حق تقرير المصير، وإنما هو سبب حربي.
فلكورسيكا أهمية كبيرة في نظام الدفاع الفرنسي، كما أن بيزرت الواقعة في غربي تونس هي الميناء الحربي الرئيسي للأسطول الفرنسي في شمال أفريقيا. فوضع إيطاليا يدها على كورسيكا يضعف وضعية فرنسا الحربية في البحر الأبيض المتوسط ويزيد في أهمية المواقع الإيطالية الحربية. وأما استيلاء إيطاليا على تونس فمعناه، زيادة على إضعاف فرنسا، تمكنها من وضع رقابتها التامة على القسم الضيق من البحر الواقع بين تونس وصقلية، والذي لا تزيد مسافته بينهما على ٩٠ ميلاً، ولا سيما أن جزيرة بانتلاريا الإيطالية قد حُصنت تحصيناً حربياً عظيماً. وبذلك تتمكن إيطاليا من شطر البحر الأبيض المتوسط إلى شطرين، ومن قطع المواصلات بين قسميه، وفي ذلك ما فيه من الأخطار الفادحة على أملاك فرنسا الآسيوية والأفريقية الشرقية، وعلى الإمبراطورية البريطانية. ومن الغريب أن بعض الصحف الإيطالية لم تخف هذا السبب، إذ قالت: إن إيطاليا لن تتغاضى عن المطالبة بكورسيكا وتونس لأن وجودهما في يد فرنسا خطر عليها. . .
ولكيما يكون لإيطاليا عذر قانوني في تجديد الخلاف مع فرنسا ومطالبتها بمزايا استعمارية جديدة، نقض السنيور موسوليني معاهدة ١٩٣٥، وذلك بتبليغ الكونت شيانو في ٢٢ ديسمبر المسيو فرانسوا بونسيه أن حكومته لا تعد المعاهدة الفرنسية الإيطالية التي عقدت عام ١٩٣٥ نافذة، لأنها لا تتفق مع مقتضيات الحالة الحاضرة، ولأن فرنسا لم تنفذها ولم تحافظ على نصوصها أو روحها بل اشتركت في العقوبات الاقتصادية التي وضعتها عصبة الأمم على إيطاليا خلال الحرب الحبشية. على أن فرنسا متمسكة باتفاق ١٩٣٥ الذي سوى في نظرها كل أسباب الخلاف بينها وبين إيطاليا، بدليل توقيع الحكومة الإيطالية رسمياً عليه في ٧ يناير سنة ١٩٣٥، والتصريحات التي أفضى بها السنيور موسوليني في ليتوريا يوم ١٨ ديسمبر سنة ١٩٣٦ وجاء فيها قوله:(إن مشاكل إيطاليا في القارة الأفريقية حلت كلها حلاً نهائياً مشرفاً) وهي تقول إنه إذا كان اتفاق ١٩٣٥ لا يلائم أحوال إيطاليا الحاضرة، فإن اتفاقات ١٨٩٦ بشأن الإيطاليين في تونس لم تعد ملائمة للحالة الحاضرة