وانظر إلى أجاممنون يعتذر إليه ويرد عليه بريسيز ويقسم له أنه لم يطمثها ولم يمسسها بسوء. وانظر إلى أخيل لا يفيء ولا يلين ولا ينهض لحرب الطرواديين، فيغضب الآلهة ويسخط أرباب الأولمب ويخرق الشرائع وقوانين الأخلاق، فتكون النتيجة أن يُقتل بتروكلوس الحبيب العزيز.
وانظر إلى أخيل كيف تسود الدنيا في عينيه حزناً على بتروكلوس فيمضي إلى المعمعة فيصرع أبطال طروادة ويجول فيها ويصول ويزأر ويزمجر ويطويها كالعاصفة. . . ثم انظر إليه يظفر بهكتور قاتل بتروكلوس فيصرعه ويجره خلف عربته ويدور حول طروادة غير موقر قدس الموت ولا حافل بتقاليد السماء.
ثم قف عند أروع مناظر الإلياذة جميعاً: بريام الحزين! والد هكتور! هذا الرجل المحطم يمضي وحده إلى أخيل باكياً ضارعاً متوسلاً، يرجو الرجل الذي قتل أولاده في أن يدع له جثمان هكتور ليشفى بالبكاء عليه جوى نفسه، وليطفئ بتحريقه السعير المضطرم بين جوانحه، فيعصف الحزن بأخيل العظيم، ويعانق الرجل العظيم، ويتبادلان البكاء، ثم يأذن له ببدن ولده. . .
هنا نبل هوميروس، وهنا إنسانيته وسموه، وهنا فرق ما بينه وبين قصاصينا الذين يشتركون مع سامعيهم في السخط على بطل الناحية الثانية.