للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى هنا يا صاحبي حيث سوق البقول والأفاويه والتوابل والأعشاب، والبن بجميع أصنافه، والشاي بسائر ألوانه، واللب المحمص، والحمص المقلي، والبطاطة المشوية، والعدس القشري، وما إلى ذلك من الأطعمة الشهية التي تخالف في عرضها وفي طهيها كل شروط الصحة على أنها عند أهلها كل قوام الصحة والعافية، فهي لهم ملء البطن، ومشتهى النفس، ورغبة العين. . .

إلى هنا يا أخي! حيث درج محمد عبده وسعد زغلول وحمزة فتح الله والسيد المرصفي والسيد القاياتي وإبراهيم الهلباوي ومحمد أبو شادي ومحمد السباعي وطه حسين وأستاذنا الزيات وزكي مبارك وغير أولئك ممن أعرف ومن لا أعرف من رجال مصر في السياسة، وأعلامهم في الرياسة، ونبهائهم في الأدب والفضل والصحافة. . .

إلى هنا يا أخي، فذلك هو الحي اللاتيني كما يسميه الظرفاء من أهل الأدب، والنبهاء من أولاد البلد!

في هذا الحي الذي رأيت، وعلى خطوات من مدخل خان الخليلي الضيق من جهة الحسين يقع مقهى الفيشاوي العتيد، فهو في موضع بعيد عن جلبة السابلة، وضوضاء المركبات، فأحر به أن يكون في غمرة من الهدوء والسكون، ولكن الله ابتلاه بكثرة الباعة، وإلحاح ذوي الحاجة، وصوت النادل الأجش يرفعه عالياً عالياً في المناداة على المطلوب وشرح المطلوب فيكون له دوي وطنين لا يتحمله إلا الذين تعودوه

ومقهى الفيشاوي في روائه آية من آيات الفن القديم، وصورة قوية من الذوق الشرقي الذي يغرق بطبعه في التجميل، ويهول في التزين، ويخلبه البريق واللمعان، فيحمل الصورة فوق ما تطيق من التمويه والتوشية، وكثرة التلافيف والتعاريج، وأنت تستطيع أن تستجلي ذلك كله في تلك المرايا الضخمة الفخمة التي علقت بجدران الفيشاوي وتجاه مدخله بالشارع. . .

ويهدف إلى الفيشاوي كل أدباء مصر بلا استثناء، في فترات قد تبعد وقد تقصر، ويدمن الجلوس فيه طبقة خاصة من مفاليك الأدب، وصعاليك الصحافة، وصرعى الآمال في المشاريع الحرة، والذين عاكستهم الأقدار في نيل الشهادات والفوز بوظائف الحكومة، ومن شطت بهم الدار من الأقطار الشقيقة في طلب الرزق أو طلب المجد، يتلفف هؤلاء حول

<<  <  ج:
ص:  >  >>