للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو في التمثيل، كل فيما يحاوله ويرغب فيه، وجبراً لخاطر إخواننا في الفيشاوي نلعن ذلك الشيء المدعو بالحظ، قاتل النبوغ، وقابر العبقريات. . .

وللفيشاوي (موسم) يتم له فيه المجد، ويبلغ الغاية من الجلال والكمال، وذلك في رمضان إذ تنشد النفوس الإنابة وحسن الثواب وتطلب السهرات البريئة الطيبة فتستبدل أكواب الشاي بأكواب المعتقة، ومن ثم تجد في حلقات الفيشاوي رجال السياسة والأدب والصحافة في مصر، فتجد لطفي السيد باشا، وهيكل باشا، وحفني محمود، وعبد الرحيم محمود، ونيازي باشا، والصحافي العجوز، وفكري أباظة، ولطفي جمعة؛ وكثيراً من النواب وأساتذة الجامعة وشيوخ الأزهر، كل منهم في حلقة حافلة، يشدون أطراف الحديث طلباً للسمر، واستعانة على السهر، حتى السحور

ثم يأتي العيد، فينفض السامر الحافل، ويعود الوضع إلى مستواه، ولا يبقى للفيشاوي إلا الذين يعكفون عليه من أمثال الشاعر إبراهيم الدباغ والأستاذ عبد العزيز الأسلامبولي صاحب المعرفة، والشيخ سلطان الجهني المحرر بالوفد، والشيخ علي عامر المحرر بالدستور، صديقنا الشيخ البهي المحرر بالمقطم، والشاعر البائس الثائر على نفسه وعلى الناس والأيام عبد الحميد الديب. . .

وعبد الحميد الديب هذا شخصية عجيبة متناقضة، تثير في النفس بمظهرها وبأدبها وبسلوكها كل عواطف الإشفاق والقسوة والألم والضحك. فهو يعجبك بشعره، ولكنه يغضبك بسلوكه. وهو يضحكك بحديثه، ولكنه يؤلمك بمظهره. أشبعته الأقدار قسوة وإرهاقاً وبؤساً، وأشبعها هو استخفافاً واستهانة وزراية. وهو على حاله تلك يعتد بنفسه إلى أبعد حد، ويرفع شعره فوق كل شعر، فشوقي مهما سما في تقديره لا يبلغ شعره في مفرقه، وهو ملازم للفيشاوي لا يريمه في الضحى والأصيل والعشية، وحتى لقد يبيت على كراسيه. ولقد جاء العيد وتفرق إخوانه كل إلى شأنه وبقي هو وحده على أفريز الفيشاوي ينشد:

يا معشر الديب وافي كل مغترب ... إلا غريبكم في مصر ما بانا

قدمتموه الشاة قربانا لعيدكم ... والدهر قدمني للبؤس قربانا

لقد تغير كل شيء في الحياة! ومن ذا الذي يا عز لا يتغير؟! وهاهو ذا معول الهدم يهدد مقهى الفيشاوي بالدمار تنفيذاً لقرار دائرة الأميرة شويكار. فهل يحفل أدباء الفيشاوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>