افلوطين) الفيلسوف الروحاني المشهور أنه حظي بهذه اللحظات بضع مرات في حياته. وحظي بها تلميذه (فورفوريوس) مرة واحدة.
وتعرض للفنان فيلهم معنى يصوره بريشته أو يوقع به على قيثارته، فثَمّ الإبداع والجمال الرائع، والحسن البارع، ذلك يملأ العين حسناً بصورته، وهذا يملأ السمع والقلب عذوبة بنغمته، ثم تأتي على هذا وذاك أوقات ينضب فيها معينها، ويفتر عنهما وحيهما.
وترى العلماء من رياضي وطبيعي وكيمياوي، ى يرزق أحدهم الخطوة بلحظة من هذه اللحظات، يلهم فيها فكرة يكون من ورائها مخترع عجيب، أو استكشاف خطير، عرض له أثناء بحثه، وقد لا تكون هناك علاقة ما بين ما يحدث وبين ما ألهمه، بل قد لا تكون هناك مقدمات منطقية مطلقاً لما ألهم، ويقف العلم حائراً لا يستطيع أن يعلل كيف نشأت في ذهن هذه العالم تلك الفكرة، وكيف فطن لها، بل يحار المستكشف نفسه كيف عرضت له وكيف ألهم بها.
وبعد فهل يمكن أن نضع قوانين لهذه اللحظات، وهل هناك عوامل معروفة إذا استوفيت أمكننا اقتناؤها والحظوة بها؟ وهل يمكن أن نجمع هذه الشروط في زر كهربائي أو زر روحاني نفتحه فتنفتح علينا لحظات التجلي إن شئنا؟
لو استطعنا هذا لتضاعف الإنتاج الأدبي والعلمي في هذا العالم أضعافاً مضاعفة، ولسهل على الأديب أن يستوفي الشروط فما هو إلا إن يمسك بقلمه فيغزر ماؤه، ويسيل إتيهُّ، وتنثال عليه الألفاظ والمعاني إنثيالاً.
لقد حاولوا من قديم أن يستكشفوا قوانين (التجلي) فقالوا إن مما يعن عليه جودة الغذاء، وفراغ البال من هموم الحياة، وصحة البدن، وطمأنينة النفس واستعانوا على نيل لحظات التجلي بمختلف الألوان، فقد قيل لكثير عزة يا أبا صخر، كيف تصنع إذا عسر عليك قول الشعر؟ قال أطوف في الرباع المخلية، والرباع المعشبة، فيسهل علي أرصنه، ويسرع إلي أحسنه، وقال الأحوص
وأشْرَفَتُ في نشز من الأرض يافِع ... وقد تَشْعَف الأيْفاع مَنْ كانَ مقْصِدَا
ولجأ الأدباء من قديم إلى الأزهار والرياض، والمياه الجارية والمناظر الجميلة، كما لجأ بعضهم إلى الخمر يستلهمها ويستوحيها، وتكاد تكون لكل أديب عادة يرى أنها علة