فلينظر فيه علماء النفس ويبينوا أي قوة تربوية أوحى بمعاني السلام منه؟
ثم يعمد الإسلام إلى تثبيت معنى السلام من طريق العظة بالقول بعد أن أوحى به في العبادة فيصف المسلمين بأنهم (إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)(وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلية)(المسلم من سلم الناس من لسانه ويده) إلى آخر النصوص التي تفيض بها مراجع الإسلام
ولما قامت دولة الإسلام بالمدينة وابتدأت الحياة السياسية للمسلمين شرع الله شرائع الحرب والسلم حتى لا يسير المسلمون وراء السياسة وهى فاجرة قاسية، فنادى نداء عاماً (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة)(وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله)(وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله)(ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً) وقد نهى وحذر من الخداع واتخاذ العهود والمواثيق تمويها وغشاً (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها)(ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً)(ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به)
وهنا نقف قليلاً لنفكر في هذه الآية العجيبة التي تلخص كل مشاكل السياسة وبخاصة في هذا العصر. فنحن على علم الآن بأن كل ما يوقع الأمم في جحيم الحرب هو عدم الثقة المتبادلة فكل دولة لها مواثيق مستورة ومواثيق علنية، والاعتماد الأكبر على المحالفات السرية، وكل دولة متهمة عند الأخريات، وكل دولة تريد أن تكون أربى وأكثر عدداً وقوة ومنافع من الأخرى، فهم قد اتخذوا مواثيقهم وعهودهم دخلاً وغشاً بينهم فلا تترك ثقة ولا تدفع شكا، وكل هذا للمادة والمال (لتكون أمة أربى من أمة) لا لخدمة مثل أعلى، ولا لعلم أو معرفة، ولا شك أن هذا بلاء كبير كما يعبر القرآن
فانظر كيف يدخل الإسلام إلى السياسة بهذه الروحانية الجميلة التي هي سر نجاح سياسة العرب في تعريب الأمم وإسلامها
ويعد القرآن اتخاذ العهود والمواثيق دخلاً وخداعاً وغشاً، زلة قدم بعد ثبوتها، وذلة تحت حكم السوء، وصدّاً عن سبيل الله (ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم)
ولم أر القرآن يؤكد معنى في موضع واحد منه وفي آيات متلاحقة وفي بيان يدير المعنى