للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التي دعاهم إلى الإيمان بها. فكان أول من آمن به زوجه الوفية المخلصة خديجة التي تزوجت قبل هذا بخمسة عشر عاماً من قريب لها فقير كانت قد استخدمته في تجارتها، فصيَّرها أجدى عليها وأربح، تزوجته بهذه الكلمات:

(يا ابن عمي، إني قد رغبت فيك لقرابتك ووساطتك في قومك، وأمانتك وحسن خلقك، وصدق حديثك فانتشلته بهذا من الفقر ومكنته من العيشة في المستوى الاجتماعي الذي يليق بنسبه، ولكنَّ هذا كله يسير إلى جانب ما بدا من وفائها وإخلاصها إذ شاطرته اضطرابه الفكري وغمرته بعطفها وشملته برعايتها في ساعة الشدة. أتاه الوحي مرة وهو في الغار فآوى إلى خديجة، وقد شمله الفزع واستولى على قلبه الاضطراب، فآمنت خيفته وأذهبت عنه الروع وقالت تخاطبه:

(أبشر يا ابن عمّ واثْبُت، فوالذي نفس خديجة بيده، إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة، ووالله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكلَّ وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق)

ولقد بقيت حتى وفاتها سنة ٦١٩ م أي بعد خمسة وعشرين عاماً في حياة الزوجية تفيض عليه دواماً من حنانها وعزائها وتشجيعها كلما أصابه من أعدائه الأذى أو ساورته في نفسه الشكوك، وفي هذا يقول ابن إسحاق:

(كانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدقت بما جاء به عن الله تعالى، وآزرته على أمره فخفف الله بذلك عنه، فكان لا يسمع شيئاً يكرهه من قومه من رد وتكذيب إلا فرَّج الله عنه بها إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه وتصدقه وتهوِّن عليه أمر الناس)

هذه خديجة يقدم لنا التاريخ في سيرتها أروع الصور في الحياة الزوجية وأنبلها.

ومن بين السبَّاق في الإيمان بدعوة محمد اثنان كان قد تبناهما هما زيد وعلي، ثم صديقه الحميم أبو بكر الذي قال فيه النبي فيما بعد:

(ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوةٌ ونظر وتردد، إلا ما كان من أبي بكر، ما عَكم عنه حين ذكرت له)

وكان أبو بكر تاجراً على سعة من المال، يحترمه قومه احتراماً شديداً لكرم خلقه وذكائه وكفايته، أنفق بعد إسلامه الجزء الأكبر من ثروته في شراء الأرقاء المسلمين الذين

<<  <  ج:
ص:  >  >>