الرومان من قبل، ولا مزهواً بفتحه كما دخلها هرقل قبل عشر سنين بعد أن غلب الفرس على الشام، ولكنه دخل رافعاً لواء التوحيد والعدل والأخوة العامة والمرحمة الشاملة. دخل المدينة فسار إلى المسجد ليلاً ومضى إلى محراب داود فصّلى فيه. وطلع الفجر بعد قليل ودوّى الأذان في أرجاء المدينة المقدسة للأول مرة - صيحة الحق في أعقاب الباطل المهزوم ترفعها تباشير الصبح في أخيرات الظلام. وشهد الله لقد كانت فاتحة الخير والسلم والكرامة لبيت المقدس ومن فيه. وقرأ عمر في الركعة الأولى سورة (ص) وسجد حين قرأ آية السجدة: (وظن داود إنّما فتناّه فاستغفر ربّه وخّر راكعاً وأناب). ثم قرأ في الركعة الثانية أول سورة الإسراء - سورة بني إسرائيل وفيه وصف ما أصابهم على يد البابليين
ثم تقدم إلى الكناسة - الكناسة التي تراكمت على البيت حين أُخرب وهجر والتي عجز اليهود أنفسهم عن إزالتها حين ملكوا أمر البيت - تقدم إلى الذلة المكدّسة على الحرم - تقدم عمر ليزيلها عن البيت كما أزال عن أهله الظلم والقسوة. تقدم أمير المؤمنين وجثا وقال:(أيها الناس اصنعوا كما أصنع وجثا في فرج من فروج قبائه)، وإنما فعل عمر ما فعل تكريماً للبيت وتطهيراً وإيذاناً بهذا العهد عهد الطهارة والكرامة
وكبر كعب الأحبار وكبر الناس معه. قال عمر: ما هذا؟ قال: كبّر كعب وكّبر الناس. قال عَليّ به. فقال كعب:(يا أمير المؤمنين إنه قد تنبأ بما صنعت اليوم نبّي منذ خمسمائة سنة. فقال: وكيف؟ فقال: إن الروم أغاروا على بني إسرائيل فأديلوا عليهم فدفنوه؛ ثم أديلوا فلم يفرغوا له حتى أغارت عليهم فارس فبغوا على بني إسرائيل، ثم أديلت عليهم الروم إلى أن وليت، فبعث الله نبياً على الكناسة فقال: ابشري أوري شلِم! عليك الفاروق ينقّيك مما فيك. أتاك الفاروق في الجندي المطيع، ويدركون لأهلك بثأرك في الروم)
لقد لبث اليهود خمسمائة سنة ينتظرون أن تطلع شمس الإسلام، ويأتي الفاروق ليحثوا التراب في قبائه ويأمر الناس بتطهير بيت المقدس
وما فقدوا رعاية الإسلام من بعدها، إلا تسعين عاماً غلب فيها أهل الصليب فأصاب البيت المقدس ما أصابه حتى أسترجعه رجل من رجال المسلمين، ملك يتشبه بعمر بن الخطاب في الإشادة بعدل الإسلام ومرحمة الإسلام. رحم الله صلاح الدين يوسف ابن أيوب
ولكن بني إسرائيل حين رأوا الزمان ينيخ على المسلمين بكلكله لم يأتوا عوناً للعرب