الهند الأقدمين، ففهموا للطهارة والقربى مغزى غير ما أدرك أسلافهم؛ بيد أن البرهمية لم تحد قيد شعرة عن إيمانها بالقربان؛ ولاسيما بعد أن قويت عقيدة الدهماء بالكهنة، وما حبتهم الآلهة من فضائل خفية هي حَبْس عليهم وعلى ذرياتهم من بعدهم
اعتقد طغام الناس أن الآلهة لن تتقبل القربان، إلا إذا باركه الكاهن، وقدمه بيده، وبطريقة معينة لا تغيير فيها ولا تبديل، مرتلاً خلال ذلك أناشيد وأدعية، يرددها لسانه، ولا يحس بها جنانه، بينما يقف المتقرب مكتوف اليدين يسمع ويرى دون أن يضرب بسهم، أو يفوه بكلمة، في هذه العبادة التي أقيمت من أجله. لم تكن العبادة تقدر بسيرة المتقرب الخلقية، وفضائله ومزاياه، أو رذائله ونقائصه، ولكن بحذق الكاهن وبراعته في تأدية المراسيم الدينية غير متلعثم اللسان، أو جامح اليد، وإلا بطل ثوابها وحبط عملها؛ وما على المتعبد إلا أن يعتقد بأن الآلهة سوف تسبغ عليه أبراد الرحمة ضافية، جذلاً بما قدمت يداه
أما الزرادشتيون، والصابئون من الفرس، فقد عاشوا في دنيا من الصلوات والدعاء؛ فكان الزرادشتي يتمتم بالدعاء، إذا عطس، أو قلم أظفاره، أو قص شعره، أو حاك ثيابه، أو طهى طعامه، أو أشعل مصباحه، ليلاً ونهاراً، لا يكل ولا يمل
دانوا بالعبادة بادئ ذي بدء لإلههم (أورمزد)، ثم ما لبثوا أن قدسوا السماء وبروجها، والأرض وجبالها، والوحوش الكاسرة، والأشجار المتباينة، وكان لنبات القمر منزلة في نفوسهم لا تسامى
وما كانت عبادتهم سوى تكرار صيغة من الدعاء، فقدت ما بها من حرارة، وذهب ما لها من طلاوة وتأثير بكر الزمان ومر العشي. أجل! أن المثل الخلقية كانت جلية عند بعض مفكريهم، ولكن الشعب لم يدرك لها رسماً. أضف إلى ذلك أن الكهنة خصوا أنفسهم بالحياة الروحية، وحرموها على سواهم من الناس؛ كما شيدوا حصوناً من القداسة كانت لهم معقلاً يباعد بينهم وبين غيرهم، ويحول بين الناس وبين المتعة الروحية السامية؛ لأن الكهنة ابتدعوا نوعين من العبادة، أولهما حِكر عليهم وعلى طائفتهم، وثانيهما مباح للناس أن يساهموا فيه
أما اليهودية فجاءت خلواً من الأوامر التي تحث على الصلاة، اللهم إلا صيغة واحدة من الدعاء يلفظ بها رب الأسرة، حين يدفع جُعل الكاهن، أو يتقرب بباكورة ماشيته وزرعه،